مسألة دقيقة يا طالب العلم، يلفت نظرك إليها الحافظ ابن الجوزي رحمه الله
باسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه، و بعد؛
فقد قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله كما في كتابه صيد الخاطر:
اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه ، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال ، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي :
فالديني هو العلم والعمل ،
والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار،
فهذه سبعة أسباب
الأول : العلم
وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم فيستعظم نفسه ويستحقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم. وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه ، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم .
قلت : قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم الخليل و هو من هو {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}، فمن يأمن الفتنة بعده عليه الصلاة و السلام ؟؟؟
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله:
وسبب كبره بالعلم أمران :
أحدهما : أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس علما في الحقيقة ، فإن العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه ، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر ، قال تعالى : {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر : 28] .
ثانيهما : أن يخوض في العلم ، وهو خبيث الدخلة رديئ النفس سيئ الأخلاق ، فإنه لم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات فبقي خبيث الجوهر ، فإذا خاض في العلم صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره.
وقد ضرب «وهب» لهذا مثلا فقال :
العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة والحلو حلاوة ، فكذلك العلم يحفظه الرجال فتحوله على قدر هممها وأهوائها ، فيزيد المتكبر كبرا والمتواضع تواضعا، وهذا لأن من كانت همته الكبر و هو جاهل فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا ، وإذا كان الرجل خائفا مع علمه فازداد علما، علم أن الحجة قد تأكدت عليه فيزداد خوفا .
(انتهى)
هذا و صل اللهم و سلم و بارك و أنعم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
0 تعليقاتك تهمنا:
إرسال تعليق