من صـفات طـالب الـعلم
لسماحة الشيخ :عبد العزيز ال الشيخ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما
بعد :
فإن المؤمن في هذه الدنيا في جهاد وفي ابتلاء وامتحان ، يقول الله جـل وعـلا/
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ /المؤمن في هذه الدنيا في جهاد ، جهاد مع نفسـه ، هذه النفس التي بين جنبيه
هو في جهاد معها ليكونها نفسا بتوفيق الله تلومه على ترك الخير وفعل الشر ،
ثم يرتقي بها إلى أن تكون نفسا مطمئنة ، تطمئن للخـير وترتاح له ، إنه في
جهاد مع عدو سلط عليه من القدم ، عدو متربص به الدوائر ، عدو قعد له في كل
طريق يثـبطه عن الخير ويصده عنه ، عدو أنظره الله إلى يوم الدين فهو في
جهـاد ليتخلص من وساوسه ومن أباطيله ومن ضلالاته ، إنه جهاد مـنع الأهـواء
التي إن ابتلي بها صرفته عن طريق الله المستقيم . قال تعـالى : /
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ / .
والمخـرج مـن الفتن بعد توفيق الله لا يكون إلا بالعلم الشرعي والحرص على طلبه والعمل به ، وطالب العلم يتميز بأمور :
فهو حـريص عـلى الخير أينما كان ، طالب العلم متميز بحبه للخير وسعيه في الخير ودعوته الناس إلى الخير .
طالب العلم هو ذلك الرجل الذي يعرف عند المواقف بحكمته وبصـيرته وأناته وتفهمه لكل قضية لكي يعالجها على ضوء الكتاب والسنة .
طـالب العـلم متميز ؛ لأنه عند كل قضية تحل به ، فلا تراه مندفعا بلا روية
، ولا تراه متسرعا ، تراه بعيدا عن حلم وأناة ، إن في قلـبه غيرة ، وفي
قلبه حمية لدين الله ، وفي قلبه نصرة لدين الله ، لكنه يتعقل في أموره كلها
، فينطق بالحق من غير شطط وجور ، وهو بعيد عن قيل وقال وبئس مطية القوم
زعموا .
طالب العلم ينظر في أقواله التي يقولها ، وألفاظه التي يتلفظ بها ، فيزنها بالميزان الشرعي العادل .
طـالب العلم إذا أراد أن يعالج خطأ أو ينبه على خطأ ، فإن الاتزان يصحبه
في أموره كلها ، لا ترى طالب العلم يكيل للـناس الأقـوال مـن غير روية ،
ولا يحكم على الناس بحكم عام من غير بصيرة ، فالأحكام على الناس تحتاج إلى
دليل يعتمد عليه القائل إلى دليل مادي واقعي يعتمد عليه فيما يقول وفيما
يتصرف ، ومن وزن أقواله قبل أن يقول ، ووزن ألفاظه قبل أن ينطق بها ،
استطاع بتوفيق من الله أن يحقق مراده .
طالب العلم دائما يقرأ قول الله/
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ/ وطـالب العـلم يحكـم بالحق والعدل/
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا/ .
ولا يسـيء الظـن بالناس مطلقا ، ولا يكيل لهم التهم مطلقا ، ولكـن يتبصـر
في الأمر ويحاول الدعوة إلى الخير وإصلاح الخطأ بالطريق الشرعي لا بطريق
عاطفة تحمله على تصرفات خاطئة ، فيتزن في أمـوره كـلها ويحكـم على الأشياء
من منظار سليم ومن منظار صـحيح ، لا يكون ممن يتحكـم الناس في قوله
فَيَنشُر كُلّ ما يقولون ، ولكن يزن الأمور والأقوال على الميزان العادل
حتى يقول كلمة الحق الواضحة التي لا إفراط فيها ولا تفريط .
لا شـك في وجود عدو لنا وعدو لديننا وهذا أمر لا أحد يـنازع فيـه ، ولكـن
الأمة مطالبة قبل كل شيء بإصلاح نفسها ، بإصلاح وضعها ، أن نصلح أخطاء
أنفسنا ، وكل منا خطاء وكل منا واقـع في خطأ ، فنسأل الله أن يوفقنا لإصلاح
أنفسنا قبل كل شيء ، الله تعـالى قـال لنبيه وأصحابه/
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ/
فـبين تعـالى أن مصـابهم كان من تلقاء أنفسهم لما خالفوا أمر النبي صلى
الله عليه وسـلم ، قد فروا عن الثغر الذي ألزمهم النبي صلى الله عليه وسلم
الـبقاء فيـه ، فبين الله لهم أن هذا من أنفسهم ، قال بعض الصحابة ما كـنا
نظن ذلك حتى سمعنا هذه الآية فتبصرنا في أنفسنا فعلمنا من أين أتينا .
إن المملكة العربية السعودية
بلد التوحيد والإسلام ، بلد وفقه الله للخـير وأنعم الله عليـه نعمة
الإسـلام ، بأن حكم شريعة الله ومحاكمـه تحكـم بشرع الله وتقيم حدود الله ،
وبلد حوى الحرمين الشريفين ، وبلد يمثل قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ،
وبلد منّ الله عليه بالأمن والاستقرار والهدوء والانضواء تحت قيادة نسأل
الله لها التوفيق والعون والرشاد .
نحن لا نؤيـد الأخطاء ، لكن لسنا نجزم بأن هناك عدوا في داخلـنا ، نحـن
أمة واحدة ، وجماعة واحدة ، وإن وجد أخطاء عند بعضنا فعياذا بالله أن نقول
هؤلاء أعداء ، لا شك أن الأخطاء لا يقرها أحد ولكن هل نقول عند كل خطأ
بتقسيم أنفسنا إلى صراع بيننا ، لا يـا إخوة ، نحن أمة واحدة ، ونحن ولله
الحمد في هذا البلد المبارك أمة واحدة ، لكن كون أحد منا يخطئ ، الخطأ واقع
من الناس ولا بد ، قـال الرسول صلى الله عليه وسلم :/ كلكم خطاء وخير الخطائين الـتوابون/ وقال عليه الصلاة والسلام : لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم
. فالله تعالى بين لـنا أنه خلق أبانا آدم بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه
من روحـه وأسكنه جنته ، وقال : كل الجنة لك سوى هذه الشجرة ، فآدم علم
ولكن طبيعة ابن آدم الخطأ والنسيان/
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا//
وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى /.
فانظـر إلى أبينا آدم أبي البشر من له تلك المميزات ومع هذا وقع في الخطأ ،
فوقوع الأخطاء في أي زمان وفي أي مجتمع ليس أمرا غريبا ، إنما الغريب أن
يستمر الناس على الخطأ ، والغريب أن لا يعالج الخطأ ، ولكن كيف يعالج الخطأ
؟ إنه لا يعالج إلا بالأسلوب الحكيم والبصيرة في الأمور كلها .
والمنتسبون إلي العلم يعالجون كل قضية بحكمة وبصيرة ورويـة ، يدرسونها ،
وينظرونها من كل الجوانب فإذا تصوروا الأمر التصور الصحيح ووضح عندهم وضوحا
بينا وأدركوا القضية ، وما يـترتب عليها في الحاضر وما عسى أن سيكون- لأن
علم الغيب عند الله- ودرسوها دراسة جيدة وتوصلوا إلى حلول مناسبة تعالج أي
قضـية ، تقدموا إلى المسئولين بطريقة حكيمة ، والمسئولون ولله الحمـد لم
يغلقوا أبوابهم أمامنا ، ولم يوصدوها أمامنا بل هم يقبلون النصيحة ، لكن
الأمور تحتاج منا إلى حكمة ، وتحتاج منا إلى روية ، ويحتاج طالب العلم أن
ينطلق من تصوره المنطلق الصحيح ، لا شك أن هـناك غيورين ومتحمسين يحملهم
دين وتقى لا شك ، لكن قد يفقدون الحكمة أحيانا ، وقد يوسعون الهوة أحيانا ،
وقد يتسببون في حدوث تصادم أحيانا ، وهذا أمر لا يليق ، إنما طلاب العلم
يتميزون برويـتهم في الأمـور وتبصرهم في المواقف وعلاجهم للقضايا على
مسـتوى من العقل والعلم والإدراك ، وأما أن نشيع أن هناك عدوا داخـليا ،
وأن هـناك وأن هناك حتى لو قدر أني أعلم شيئا من هذا فليست مهمتي أن أضخم
هذه الأمور وأن أخيف الناس بكذا ، لأني لا أريد أن أشيع الفاحشة بين
المؤمنين ، ولا أريد أن أفتح هوة ، أقول إن مجتمعنا منفصل ، لا ، مجتمعنا
مجتمع إسلامي إن شاء الله ، ومجتمعنا مجتمع متوحد إن شاء الله ، والزلات
والهفوات هذه أمور لا يمكن أن يخلو أي زمن منها .
إن العالم الإسلامي واجه مثل هذه الأمور في القرن الثاني بعد التابعين
وتابعيهم عندما قال قوم بخلق القرآن ، وماذا نتج عن ذلك ، وكيف كان الإمام أحمد
وأمثاله يعالجون هذه القضية بحكمة وبصيرة إلى أن وفقهـم الله فصبروا وكان
صبرهم عن علم حتى اتضح الحق وانجلى وافتضح الباطل واندمر .
إن علماء الأمة قديما لا يعالجون القضايا بتعظيمها وتضخيمها ، نحن نعلم أن
الدنيا لا تخلو من خطأ والله تعالى أخبرنا أن أولادنا قد يكونون أعداء لنا
وأنهم فتنة لنا ، هل نقول الأولاد أعداء فنهجرهم ، هـذا لا يصـح ؛ لأن
الله تعالى أخبر أنهم نعمة ، ولكن منهم من قد يكون عدوا لأبيه ، وما نوع
تلك العداوة ، إنه لا ينبغي لطلاب العلم إذا حـلت مشكلة أن يصوروها بشيء
ربما يستثير عواطف من لا يحسن ولا يتبصـر ، وإنمـا تعالج القضايا بين أروقة
العلماء ، وفي مجتمعاتهم الخاصة دراسة وتبصرا وإدراكا للعواقب وتصورا
للنتائج ، ثم رفـع ذلـك إلى ولاة الأمر بطريقة أدبية يقصد من خلالها تحقيق
المصـلحة العامة ، أما العواطف والحماس الذي قد يخرج عن طوره وقـد لا ينضبط
وقد يترك أثرا غير سليم فلا أوصي به إخواني ولا أنصـحهم بذلـك ، وإنما
نصيحتي لكـم أيها الإخوة ، أن نكون على اتصال دائم فيما بيننا ، وصلة فيما
بيننا ، وتدارس للمشاكل فيما بيننا ، وأمـا أخطاء الصحافة ، أو كتاب
الصحافة ، وتجاهل بعضهم ، وسوء عـبارة بعضهم ، فهذا خطأ منهم لا يمكن أن
ننسبه لغيرهم ، هؤلاء أخطئوا والواجب نصحهم وتحذيرهم ، وإن شاء الله لن
يتكرر ذلك ، لكن أن أجعل هذه القضية دليلا على أن هناك عدوا منتصبا ، هذا
لا ينـبغي ، المجتمع مجتمع خـير إن شاء الله ، وقيادته حريصة على الخير
أيـنما كان ، إنها قيادة إسلامية وحريصة على ما ينفع هذا المجتمع ، ولكـن
الأمور يجب أن تأخذ مسارها من الطرق السليمة والقنوات الصـادقة والمخلصة ،
وأن يكون بيد أهل العلم يدرسون كل قضية دراسة متأنية ، والدارسون حريصون
على أن يجدوا حلولا مناسبة ثم يتقدمون بها ، وسوف يحققون إن شاء الله الخير
.
إنـه لا ينبغي أن نفتح للمغرضين والفارغين وقاصري الفكر أبوابـا يدخـلون
من خلالها ، فيصعبون الأمـور ، ويتوقعون ما لا يكـون ، ونحن ولله الحمد
مسلمون ، وأما أن نقارن عدونا اليهودي بعدو بيننا فهذا أمر خطير لا ينبغي
المجازفة فيه ، أخوك المسلم يخطئ ، فـنعم ، والمسـلم يكون فيه خطأ وصواب ،
وإيمان وفسق كما قرر العـلماء ، وأما أن نقول هذا عدو يهودي خارجي ، وهذا
عدو مثله داخلي ونحو ذلك ، فأنا لا أحب لطلبة العلم أن يجازفوا بالأقوال من
غير روية ولا بصيرة ، ولو سئل بعضهم ، حدد العدو الداخلي ، وما هي أهدافه ،
وأين يكون ، لم تر جوابا ، وإنما هي مجرد أقوال تتلقف . . قال تعالى
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا
لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ
عَظِيمٌ
.
فأوصي طلبة العلم بتقوى الله والتمسك بدين الله وأن يكونوا دعـاة إلى ديـن
الله على علم وبصيرة ، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد .
وصـلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
0 تعليقاتك تهمنا:
إرسال تعليق