مقادير زكاة الفطر
الإمام مالك يقول بعدم جواز إخواجها قيمة - نقدا
المدونة - (ج 2 / ص 390)
قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ فِي الَّذِي دَفَعَ مِنْ هَذِهِ الْقُطْنِيَّةِ إلَى الْمَسَاكِينِ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ؟ قَالَ : لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ قال النووي في المجموع:
"لا تجزئ القيمة في الفطرة عندنا، وبه قال مالك وأحمد
وابن المنذر, وقال أبو حنيفة يجوز، حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وعمر
بن عبد العزيز والثوري وقال إسحاق وأبو ثور: لا تجزئ إلا عند الضرورة".
هل يجوز إخراج زكاة الفطرنقدا ؟
بقلم الشيخ خيرالدين مبارك عوير الجزائري
- حفظه الله -
االحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فقد اختلف العلماء في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر بدلا عن الطعام، وهي من المسائل التي لا زالت تثير خلافا بين العلماء والباحثين، ولما كانت تمس شعيرة زكاة الفطر، ويكثر السؤال عنها كل سنة، أحببت أن أشارك إخواني بذكر شيء من أقوال أهل العلم فيها، وأدلة كل فريق، بما يناسب المقام، فأقول مستعينا بالله عز وجل:
أولا: اتفق الفقهاء على أنه يجزئ إخراج زكاة الفطر من خمسة أصناف: البر (القمح)، الشعير، التمر، الزبيب، والأقط([1])، إذا كان قوتا([2]).
وعند المالكية تخرج من الأصناف التالية: قال ابن أبي زيد القيرواني: "وتؤدى من جُلِّ عيش أهل البلد، من بر، أو شعير، أو سُلت([3])، أو تمر، أو أقط، أو دُخْنٍ([4])، أو ذرة، أو أرز"([5]).
ثانيا: اختلفوا في حكم إخراج القيمة عوضا عن الطعام على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز إخراج القيمة،
وهذا مذهب جمهور الفقهاء، من المالكية([6])، والشافعية([7])، والحنابلة([8]).
قال الإمام مالك: "ولا يجزئ الرجلَ أن يعطي مكان زكاة الفطر عرضا من العروض" ([9]).
وعنه أيضا: "ولا يجزئه أن يدفع في الفطرة ثمنا"([10]).
واستدل أصحاب هذا القول بجملة من الأدلة منها:
1/ قول ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر ـ أو قال: رمضان ـ على الذكر والأنثى، والحر والمملوك، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير...)([11]).
فإذا دفعت القيمة كان عدولا عما فرضه النبي صلى الله عليه وسلم .
ونوقش هذا الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض هذه الأنواع تيسيرا على الناس في زمنه؛ لأنها كانت غالب أموال الناس، وكانت النقود في أيديهم قليلة، بل ذكر ابن رشد أن سبب فرض زكاة الفطر، كان مجيء الفقراء من خارج المدينة وبقاؤهم في المسجد، فإذا كان الفطر رجع سكان المدينة لما أعد لهم أهلهم من الطعام، وبقي أهل المسجد من غير طعام، ففرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وأمر بجمعها في المسجد، وكان أكثر ما يؤدون من التمر؛ لأنه كان جل عيشهم([12])، وهذا يدل على أن المقصود دفع حاجة الناس، وليس الطعام مقصودا لذاته.
وأجيب عن هذا بأنه إذا سُلِّمَ بأن هذه الأصناف وإن لم يقصد بها الحصر، فهي مقدمة على غيرها، بل ما دامت القيمة لم يرد لها ذكر أبدا، فإن الطعام يبقى هو الأصل في هذه الزكاة.
2/ قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب)([13]).
والشاهد في قوله: (كنا نخرج) أي: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخرجونها من هذه الأجناس، فلا يجوز العدول عما كانوا عليه؛ إذ لم ينقل عن واحد منهم أنه أخرج القيمة بدل الطعام.
ويناقش هذا أيضا بما سبق في مناقشة الدليل السابق.
3/ قول ابن عباس رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين)([14]).
والطعمة إنما تكون من الطعام، لا من النقود.
4/ أن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين، فلا يجزئ إخراجها من غيره، كما لا يجزئ إخراجها في غير وقتها الشرعي.
ويناقش هذا بأن الزكاة وإن كانت عبادة فهي معقولة المعنى؛ لأن المقصود بها دفع حاجة الفقراء والمساكين، وقد يكون الأصلح للفقير أن تدفع حاجته بالنقود، وتكون خيرا له من الطعام.
ومن وجه آخر فإن هذا الدليل يلزمهم كذلك، فلا يجوز أن تخرج غير الأصناف الخمسة المنصوصة في الحديث، ويلزم على هذا القول ألا يجزئ الرز وهو طعام مقتات، ويجزئ إخراج الأقط، وجمهور الناس في عصرنا لا يعرفونه، وجمهور الفقهاء القائلين بوجوب إخراج زكاة الفطر طعاما يرون إجزاء الرز ـ مثلا ـ وإن لم ينص عليه، فإذا راعوا هذا المعنى وهو المصلحة، وجوزوا إخراج غير المنصوص، فما المانع من إخراج القيمة إذا كانت أقوم بمصلحة الفقير؟! وهل ذلك إلا وقوف عند حروف النص، دون النظر في مقاصد الشرع؟!([15]).
القول الثاني: جواز إخراج القيمة مطلقا،
وهذا مذهب الحنفية ([16])، وهو ظاهر صنيع الإمام البخاري في صحيحه، فقد أجاز أخذ القيمة في زكاة المال([17])، قال ابن حجر: " قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية، مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل"([18])، وروي هذا القول عن الحسن وعمر بن عبد العزيز([19])، وهو قول لابن القاسم صاحب الإمام مالك([20])، ورواية مخرجة عن الإمام أحمد([21])، وأخذت به عدة هيئات علمية، كبيت الزكاة الكويتي، واختاره كثير من المعاصرين كالشيخ مصطفى الزرقا([22])، والشيخ يوسف القرضاوي([23]).
واستدلوا بجملة من الأدلة منها:
1/ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم)([24])، والإغناء بالقيمة والنقود أقرب لدفع الحاجة من الطعام، وخاصة في هذا العصر.
ونوقش هذا بأن الحديث ضعيف لا يثبت، فلا حجة فيه.
2/ ما رواه البخاري تعليقا عن طاووس قال: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: (ائتوني بعرض ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة، مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة)([25]).
والشاهد فيه أن معاذا رضي الله عنه أجاز أخذ القيمة في الزكاة.
وأجيب عن هذا بأن هذا لأثر لا يصح، فطاووس لم يسمع من معاذ رضي الله عنه ، وعلى فرض صحته فهو في الجزية وليس في الزكاة؛ لأن معاذا رضي الله عنه أُمر بدفع الزكاة في فقراء أهل اليمن، ولم يكن يرسلها للمدينة([26]).
وأجيب عن هذا بأن إيراد البخاري له بصيغة الجزم يقتضي قوته عنده، وقد قواه بما ذكره من الأحاديث المسندة تحت هذا الباب.
وقولهم بأن ذلك كان في الجزية، مردود بقوله: (في الصدقة).
3/ أن المقصود دفع حاجة الفقراء، ولا يختلف ذلك وإن تنوعت الأموال، مادام القدر والقيمة واحدة([27]).
وأجيب عن هذا بأنه وإن كان المقصود دفع حاجة المحتاجين والفقراء، إلا أن الطعام مقصود في حد ذاته، بدليل أنه لم يرد حرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز دفعها بالقيمة، وعلى ذلك سار الصحابة رضي الله عنهم.
4/ أن زكاة الأموال، وهي أعظم عبادة مالية وأحد أركان الإسلام، يصح إخراج القيمة فيها بالإجماع، ولا يشترط إخراج الزكاة من عين المال([28]).
القول الثالث: جواز إخراج القيمة عند الضرورة،
وبه قال إسحاق وأبو ثور([29]).
والمقصود بالضرورة هنا المصلحة والحاجة، كما حقق ذلك الدكتور محمد عبد الغفار شريف في بحثه في زكاة الفطر([30])، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله تعالى: "وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبى حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين.
والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه..." ([31]).
ولم أقف على دليل خاص لهذا القول، وإنما هو جمع بين أدلة الفريقين السابقين.
وهذا القول الأخير هو أقرب الأقوال للصواب ـ والله أعلم ـ لأن فيه جمعا بين الأدلة، وفيه إعمال للنصوص ولمقاصد الشرع، كما أن فيه تيسيرا ورفعا للحرج والمشقة عن المكلفين، لا سيما في بلاد الغرب، حيث الناس لا يقتاتون في الغالب هذه الأطعمة، أو لا يجدون من يأخذها صدقة منهم، ففي هذا القول فسحة لهم وتيسير عليهم.
كما أن القصد من هذه الكلمات هو التنبيه على أن على المؤمن، وطالب العلم خاصة، ألا يشتد في رد ما يخالف قناعاته، وما يتعقده صوابا، بل عليه أن يلزم الاعتدال في الأخذ بقول أو رده، فإن بعض الناس تجده إذا انتصر لقول استطال على غيره، ورمى قوله بالبطلان والفساد، مع أنه من مسائل الخلاف التي الأمر فيها يسير، والمجتهدون فيها محمودون، وهم بين الأجر والأجرين دائرون، وقد يظهر له بعد مدة أن قول غيره أصوب، فيصعب عليه الانتقال إليه، مع أنه صار يعتقد أنه أصوب وأرجح، فتمنعه شدته الأولى عن الرجوع للحق، مع ما قد يقع في نفوس أتباعه من القلق، فكيف يرجع الشيخ لقول كان بالأمس يصفه بالبطلان والفساد، وأنه عار عن الدليل؟!
وما أحسن ما نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله من قوله: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب، ومن أعجب ما رأيت من أمثلة رجوع العالم عن قول انتصر له من قبل، ما حكاه الأمير الصنعاني عن نفسه في مسألة طلاق الحائض؛ حيث قال: "وقد كنا نفتي بعدم الوقوع، وكتبنا فيه رسالة، وتوقفنا مدة، ثم رأينا وقوعه"([32]).
وإنما ذكرت هذا لئلا يتسرع الإنسان في إبطال زكاة من يخرجها نقودا، مادام معتمدا على قول طائفة من العلماء، وهو قول له حظ من النظر، والله أعلم.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه/ خيرالدين مبارك عوير([33])
([1]) اللبن المجفف.مختار الصحاح (ص20)، ويسمى في بعض المناطق عندنا الكليلة.
([2]) انظر: الإجماع عند أئمة أهل السنة الأربعة (ص70).
([3]) ضرب من الشعير ليس له قشر.مختار الصحاح (ص326).
([4]) جنس من الذرة، ولكن حبه أصغر.انظر: الزاهر (152).
([5]) الرسالة (ص172).
([6]) انظر: المدونة (1/293)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/417).
([7]) انظر: المجموع شرح المهذب (6/112)، مغني المحتاج (1/407).
([8]) انظر: المغني (4/295)، كشاف القناع (2/320).
([9]) المدونة (1/293).
([10]) النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (2/303).
([11]) أخرجه البخاري (1511) ومسلم (984).
([12]) انظر: المقدمات الممهدات (ص253).
([13]) أخرجه البخاري (1506) ومسلم (985).
([14]) أخرجه أبو داود (1609) وابن ماجة (1827)، والدارقطني (2/138) وقال: (ليس فيهم مجروح)، وصححه الحاكم على شرط البخاري (1/409) ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الإرواء.وانظر: نصب الراية (2/411)، والمحرر لابن عبد الهادي (577).
([15]) انظر: فتاوى الزرقا (152_153).
([16]) انظر: المبسوط (3/107)، بدائع الصنائع (2/203).
([17]) الجامع الصحيح (2/116) باب العرض في الزكاة.
([18]) فتح الباري (3/312).
([19]) انظر: المغني (4/295).
([20]) انظر: النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (2/303)، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل (2/366).
([21]) انظر: الإنصاف للمرداوي (3/182).
([22]) كما في فتاويه (ص145).
([23]) كما على موقع إسلام أون لاين.
([24]) أخرجه الدارقطني (2/152)، والبيهقي (4/175)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وضعفه الدارقطني، وقال ابن حجر في بلوغ المرام (628): إسناده ضعيف.
([25]) الجامع الصحيح كتاب الزكاة/باب العرض في الزكاة (2/116). العرض: كل ما سوى الدراهم والدنانير.الخميص: نوع من الثياب.لبيس: ملبوس.
([26]) انظر: المغني (4/297)، الفتح (3/312).
([27]) انظر: المغني (4/296).
([28]) انظر: فتاوى الزرقا (ص150).
([29]) انظر: المجموع للنووي (6/112).
([30]) انظر: الندوة السادسة لأبحاث الزكاة، والتي يشرف عليها بيت التمويل الكويتي، فراجع موقعهم على الإنترنت ففيه أبحاث رائقة:
([31]) مجموع الفتاوى (25/82).
([32]) سبل السلام (3/268).
([33]) كانت الانتهاء منه عصر الجمعة 26/9/1429هـ
حكم إخراج زكاة الفطر نقداً
السؤال :
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً مع تفصيل الأدلة حفظكم الله؟
المفتي: محمد بن صالح العثيمين الإجابة:
زكاة الفطر لا تجوز إلا من الطعام، ولا يجوز إخراجها من القيمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنَّا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام".
فلا يحل لأحد أن يخرج زكاة الفطر من الدراهم، أو الملابس، أو الفرش بل الواجب إخراجها مما فرضه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة باستحسان من استحسن ذلك من الناس، لأن الشرع ليس تابعاً للآراء، بل هو من لدن حكيم خبير، والله عز وجل أعلم وأحكم، وإذا كانت مفروضة بلسان محمد صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام فلا يجوز أن تتعدى ذلك مهما استحسناه بعقولنا، بل الواجب على الإنسان إذا استحسن شيئاً مخالفاً للشرع أن يتهم عقله ورأيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثامن عشر - كتاب زكاة الفطر.
الإمام مالك يقول بعدم جواز إخواجها قيمة - نقدا
المدونة - (ج 2 / ص 390)
قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ فِي الَّذِي دَفَعَ مِنْ هَذِهِ الْقُطْنِيَّةِ إلَى الْمَسَاكِينِ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ؟ قَالَ : لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ قال النووي في المجموع:
"لا تجزئ القيمة في الفطرة عندنا، وبه قال مالك وأحمد
وابن المنذر, وقال أبو حنيفة يجوز، حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وعمر
بن عبد العزيز والثوري وقال إسحاق وأبو ثور: لا تجزئ إلا عند الضرورة".
هل يجوز إخراج زكاة الفطرنقدا ؟
بقلم الشيخ خيرالدين مبارك عوير الجزائري
- حفظه الله -
االحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فقد اختلف العلماء في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر بدلا عن الطعام، وهي من المسائل التي لا زالت تثير خلافا بين العلماء والباحثين، ولما كانت تمس شعيرة زكاة الفطر، ويكثر السؤال عنها كل سنة، أحببت أن أشارك إخواني بذكر شيء من أقوال أهل العلم فيها، وأدلة كل فريق، بما يناسب المقام، فأقول مستعينا بالله عز وجل:
أولا: اتفق الفقهاء على أنه يجزئ إخراج زكاة الفطر من خمسة أصناف: البر (القمح)، الشعير، التمر، الزبيب، والأقط([1])، إذا كان قوتا([2]).
وعند المالكية تخرج من الأصناف التالية: قال ابن أبي زيد القيرواني: "وتؤدى من جُلِّ عيش أهل البلد، من بر، أو شعير، أو سُلت([3])، أو تمر، أو أقط، أو دُخْنٍ([4])، أو ذرة، أو أرز"([5]).
ثانيا: اختلفوا في حكم إخراج القيمة عوضا عن الطعام على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز إخراج القيمة،
وهذا مذهب جمهور الفقهاء، من المالكية([6])، والشافعية([7])، والحنابلة([8]).
قال الإمام مالك: "ولا يجزئ الرجلَ أن يعطي مكان زكاة الفطر عرضا من العروض" ([9]).
وعنه أيضا: "ولا يجزئه أن يدفع في الفطرة ثمنا"([10]).
واستدل أصحاب هذا القول بجملة من الأدلة منها:
1/ قول ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر ـ أو قال: رمضان ـ على الذكر والأنثى، والحر والمملوك، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير...)([11]).
فإذا دفعت القيمة كان عدولا عما فرضه النبي صلى الله عليه وسلم .
ونوقش هذا الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض هذه الأنواع تيسيرا على الناس في زمنه؛ لأنها كانت غالب أموال الناس، وكانت النقود في أيديهم قليلة، بل ذكر ابن رشد أن سبب فرض زكاة الفطر، كان مجيء الفقراء من خارج المدينة وبقاؤهم في المسجد، فإذا كان الفطر رجع سكان المدينة لما أعد لهم أهلهم من الطعام، وبقي أهل المسجد من غير طعام، ففرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وأمر بجمعها في المسجد، وكان أكثر ما يؤدون من التمر؛ لأنه كان جل عيشهم([12])، وهذا يدل على أن المقصود دفع حاجة الناس، وليس الطعام مقصودا لذاته.
وأجيب عن هذا بأنه إذا سُلِّمَ بأن هذه الأصناف وإن لم يقصد بها الحصر، فهي مقدمة على غيرها، بل ما دامت القيمة لم يرد لها ذكر أبدا، فإن الطعام يبقى هو الأصل في هذه الزكاة.
2/ قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب)([13]).
والشاهد في قوله: (كنا نخرج) أي: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخرجونها من هذه الأجناس، فلا يجوز العدول عما كانوا عليه؛ إذ لم ينقل عن واحد منهم أنه أخرج القيمة بدل الطعام.
ويناقش هذا أيضا بما سبق في مناقشة الدليل السابق.
3/ قول ابن عباس رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين)([14]).
والطعمة إنما تكون من الطعام، لا من النقود.
4/ أن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين، فلا يجزئ إخراجها من غيره، كما لا يجزئ إخراجها في غير وقتها الشرعي.
ويناقش هذا بأن الزكاة وإن كانت عبادة فهي معقولة المعنى؛ لأن المقصود بها دفع حاجة الفقراء والمساكين، وقد يكون الأصلح للفقير أن تدفع حاجته بالنقود، وتكون خيرا له من الطعام.
ومن وجه آخر فإن هذا الدليل يلزمهم كذلك، فلا يجوز أن تخرج غير الأصناف الخمسة المنصوصة في الحديث، ويلزم على هذا القول ألا يجزئ الرز وهو طعام مقتات، ويجزئ إخراج الأقط، وجمهور الناس في عصرنا لا يعرفونه، وجمهور الفقهاء القائلين بوجوب إخراج زكاة الفطر طعاما يرون إجزاء الرز ـ مثلا ـ وإن لم ينص عليه، فإذا راعوا هذا المعنى وهو المصلحة، وجوزوا إخراج غير المنصوص، فما المانع من إخراج القيمة إذا كانت أقوم بمصلحة الفقير؟! وهل ذلك إلا وقوف عند حروف النص، دون النظر في مقاصد الشرع؟!([15]).
القول الثاني: جواز إخراج القيمة مطلقا،
وهذا مذهب الحنفية ([16])، وهو ظاهر صنيع الإمام البخاري في صحيحه، فقد أجاز أخذ القيمة في زكاة المال([17])، قال ابن حجر: " قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية، مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل"([18])، وروي هذا القول عن الحسن وعمر بن عبد العزيز([19])، وهو قول لابن القاسم صاحب الإمام مالك([20])، ورواية مخرجة عن الإمام أحمد([21])، وأخذت به عدة هيئات علمية، كبيت الزكاة الكويتي، واختاره كثير من المعاصرين كالشيخ مصطفى الزرقا([22])، والشيخ يوسف القرضاوي([23]).
واستدلوا بجملة من الأدلة منها:
1/ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم)([24])، والإغناء بالقيمة والنقود أقرب لدفع الحاجة من الطعام، وخاصة في هذا العصر.
ونوقش هذا بأن الحديث ضعيف لا يثبت، فلا حجة فيه.
2/ ما رواه البخاري تعليقا عن طاووس قال: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: (ائتوني بعرض ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة، مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة)([25]).
والشاهد فيه أن معاذا رضي الله عنه أجاز أخذ القيمة في الزكاة.
وأجيب عن هذا بأن هذا لأثر لا يصح، فطاووس لم يسمع من معاذ رضي الله عنه ، وعلى فرض صحته فهو في الجزية وليس في الزكاة؛ لأن معاذا رضي الله عنه أُمر بدفع الزكاة في فقراء أهل اليمن، ولم يكن يرسلها للمدينة([26]).
وأجيب عن هذا بأن إيراد البخاري له بصيغة الجزم يقتضي قوته عنده، وقد قواه بما ذكره من الأحاديث المسندة تحت هذا الباب.
وقولهم بأن ذلك كان في الجزية، مردود بقوله: (في الصدقة).
3/ أن المقصود دفع حاجة الفقراء، ولا يختلف ذلك وإن تنوعت الأموال، مادام القدر والقيمة واحدة([27]).
وأجيب عن هذا بأنه وإن كان المقصود دفع حاجة المحتاجين والفقراء، إلا أن الطعام مقصود في حد ذاته، بدليل أنه لم يرد حرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز دفعها بالقيمة، وعلى ذلك سار الصحابة رضي الله عنهم.
4/ أن زكاة الأموال، وهي أعظم عبادة مالية وأحد أركان الإسلام، يصح إخراج القيمة فيها بالإجماع، ولا يشترط إخراج الزكاة من عين المال([28]).
القول الثالث: جواز إخراج القيمة عند الضرورة،
وبه قال إسحاق وأبو ثور([29]).
والمقصود بالضرورة هنا المصلحة والحاجة، كما حقق ذلك الدكتور محمد عبد الغفار شريف في بحثه في زكاة الفطر([30])، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله تعالى: "وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبى حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين.
والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه..." ([31]).
ولم أقف على دليل خاص لهذا القول، وإنما هو جمع بين أدلة الفريقين السابقين.
وهذا القول الأخير هو أقرب الأقوال للصواب ـ والله أعلم ـ لأن فيه جمعا بين الأدلة، وفيه إعمال للنصوص ولمقاصد الشرع، كما أن فيه تيسيرا ورفعا للحرج والمشقة عن المكلفين، لا سيما في بلاد الغرب، حيث الناس لا يقتاتون في الغالب هذه الأطعمة، أو لا يجدون من يأخذها صدقة منهم، ففي هذا القول فسحة لهم وتيسير عليهم.
كما أن القصد من هذه الكلمات هو التنبيه على أن على المؤمن، وطالب العلم خاصة، ألا يشتد في رد ما يخالف قناعاته، وما يتعقده صوابا، بل عليه أن يلزم الاعتدال في الأخذ بقول أو رده، فإن بعض الناس تجده إذا انتصر لقول استطال على غيره، ورمى قوله بالبطلان والفساد، مع أنه من مسائل الخلاف التي الأمر فيها يسير، والمجتهدون فيها محمودون، وهم بين الأجر والأجرين دائرون، وقد يظهر له بعد مدة أن قول غيره أصوب، فيصعب عليه الانتقال إليه، مع أنه صار يعتقد أنه أصوب وأرجح، فتمنعه شدته الأولى عن الرجوع للحق، مع ما قد يقع في نفوس أتباعه من القلق، فكيف يرجع الشيخ لقول كان بالأمس يصفه بالبطلان والفساد، وأنه عار عن الدليل؟!
وما أحسن ما نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله من قوله: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب، ومن أعجب ما رأيت من أمثلة رجوع العالم عن قول انتصر له من قبل، ما حكاه الأمير الصنعاني عن نفسه في مسألة طلاق الحائض؛ حيث قال: "وقد كنا نفتي بعدم الوقوع، وكتبنا فيه رسالة، وتوقفنا مدة، ثم رأينا وقوعه"([32]).
وإنما ذكرت هذا لئلا يتسرع الإنسان في إبطال زكاة من يخرجها نقودا، مادام معتمدا على قول طائفة من العلماء، وهو قول له حظ من النظر، والله أعلم.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه/ خيرالدين مبارك عوير([33])
([1]) اللبن المجفف.مختار الصحاح (ص20)، ويسمى في بعض المناطق عندنا الكليلة.
([2]) انظر: الإجماع عند أئمة أهل السنة الأربعة (ص70).
([3]) ضرب من الشعير ليس له قشر.مختار الصحاح (ص326).
([4]) جنس من الذرة، ولكن حبه أصغر.انظر: الزاهر (152).
([5]) الرسالة (ص172).
([6]) انظر: المدونة (1/293)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/417).
([7]) انظر: المجموع شرح المهذب (6/112)، مغني المحتاج (1/407).
([8]) انظر: المغني (4/295)، كشاف القناع (2/320).
([9]) المدونة (1/293).
([10]) النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (2/303).
([11]) أخرجه البخاري (1511) ومسلم (984).
([12]) انظر: المقدمات الممهدات (ص253).
([13]) أخرجه البخاري (1506) ومسلم (985).
([14]) أخرجه أبو داود (1609) وابن ماجة (1827)، والدارقطني (2/138) وقال: (ليس فيهم مجروح)، وصححه الحاكم على شرط البخاري (1/409) ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الإرواء.وانظر: نصب الراية (2/411)، والمحرر لابن عبد الهادي (577).
([15]) انظر: فتاوى الزرقا (152_153).
([16]) انظر: المبسوط (3/107)، بدائع الصنائع (2/203).
([17]) الجامع الصحيح (2/116) باب العرض في الزكاة.
([18]) فتح الباري (3/312).
([19]) انظر: المغني (4/295).
([20]) انظر: النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (2/303)، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل (2/366).
([21]) انظر: الإنصاف للمرداوي (3/182).
([22]) كما في فتاويه (ص145).
([23]) كما على موقع إسلام أون لاين.
([24]) أخرجه الدارقطني (2/152)، والبيهقي (4/175)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وضعفه الدارقطني، وقال ابن حجر في بلوغ المرام (628): إسناده ضعيف.
([25]) الجامع الصحيح كتاب الزكاة/باب العرض في الزكاة (2/116). العرض: كل ما سوى الدراهم والدنانير.الخميص: نوع من الثياب.لبيس: ملبوس.
([26]) انظر: المغني (4/297)، الفتح (3/312).
([27]) انظر: المغني (4/296).
([28]) انظر: فتاوى الزرقا (ص150).
([29]) انظر: المجموع للنووي (6/112).
([30]) انظر: الندوة السادسة لأبحاث الزكاة، والتي يشرف عليها بيت التمويل الكويتي، فراجع موقعهم على الإنترنت ففيه أبحاث رائقة:
([31]) مجموع الفتاوى (25/82).
([32]) سبل السلام (3/268).
([33]) كانت الانتهاء منه عصر الجمعة 26/9/1429هـ
حكم إخراج زكاة الفطر نقداً
أنا أعرف بأن زكاة الفطر لا يجوز إخراجها نقداً, وقلت
لوالدي ذلك ولكنه لم يقبل مني, وقال: إنه لا ينكر الحديث عن الرسول -صلى
الله عليه وسلم-، ولكن البلد تخرج نقداً, فعلينا أن نفعل مثل بعض الناس أن
نخرج نقداً, ولكنني أخرجت عن نفسي بدون أن أنوي, هل تقبل مني؟
الجواب
الواجب إخراجها طعاماً، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم، صاعاً من قوت
البلد، من تمر أو شعير، أو أزر، من قوت البلد، صاع، هذا هو الواجب عن كل
نفس، عن الرجل والأنثى والصغير والكبير، وقال جماعة من أهل العلم: يجوز
إخراجها نقداً، ولكنه قول ضعيف، والصواب أن الواجب إخراجها طعاماً عند
جمهور أهل العلم، أكثر أهل العلم، كما جاء في ذلك الأحاديث عن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، وإذا نصحتِ والدك ولم يفعل فأنت أخرجيه عن نفسك ولو
ما درى، أخرجيها طعاماً ولو ما أعجب أبوكِ.
السؤال :
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً مع تفصيل الأدلة حفظكم الله؟
المفتي: محمد بن صالح العثيمين الإجابة:
زكاة الفطر لا تجوز إلا من الطعام، ولا يجوز إخراجها من القيمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنَّا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام".
فلا يحل لأحد أن يخرج زكاة الفطر من الدراهم، أو الملابس، أو الفرش بل الواجب إخراجها مما فرضه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة باستحسان من استحسن ذلك من الناس، لأن الشرع ليس تابعاً للآراء، بل هو من لدن حكيم خبير، والله عز وجل أعلم وأحكم، وإذا كانت مفروضة بلسان محمد صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام فلا يجوز أن تتعدى ذلك مهما استحسناه بعقولنا، بل الواجب على الإنسان إذا استحسن شيئاً مخالفاً للشرع أن يتهم عقله ورأيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثامن عشر - كتاب زكاة الفطر.
السؤال الأول:
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا
إذا كانت النقود أكثر نفعا من الطعام ؟
السؤال الثاني:
أو حالة صعوبة إيصال الطعام إلى المسلمين الأكثر حاجة إلا عن طريق بعث المال الذي يستعمل لشراء الطعام في بلدهم
علما أنه لن يصلهم إلا بعد صلاة العيد، و لعله بعد أيام ؟
و جزاكم الله خيرا
فتوى فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في زكاة الفطر
الذين يقولون بجواز إخراج صدقة الفطر نقودا هم مخطئون لأنهم يخالفون النص :
حديث الرسول عليه السلام الذي يرويه الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله ابن عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما قال :
" فرض رسول الله صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط "
فعين رسول الله هذه الفريضة التي فرضها الرسول عليه السلام ائتمارا بأمر ربه إليه ليس نقودا وإنما هو طعام مما يقتاته أهل البلد في ذلك الزمان
فمعنى هذا الحديث أن المقصود به ليس هو الترفيه عن الناس الفقراء والمساكين يلبسوا الجديد والنظيف
وو ... الخ وإنما هو إغنائهم من الطعام والشراب في ذاك اليوم وفيما يليه من الأيام من بعد العيد .
وحين أقول بعد العيد فإنما أعني أن يوم الفطر هو العيد أما اليوم الثاني والثالث فليسوا من العيد في شيء إطلاقا ، فعيد الفطر هو يوم واحد فقط
وعيد الأضحى هو أربعة أيام فالمقصود بفرض صدقة الفطر من هذا الطعام المعود في تلك الأيام هو إغناء الفقراء والمساكين في اليوم الأول من عيد الفطر
ثم ما بعد ذلك من أيام طالت أو قصرت .
فحينما يأتي انسان ويقول لا ، نخرج القيمة هذا أفضل للفقير ، هذا يخطئ مرتين :
المرة الأولى : أنه خالف النص والقضية تعبدية هذا أقل ما يقال .
لكن الناحية الثانية :
خطيرة جدا
لأنها تعني أن الشارع الحكيم ألا وهو رب العالمين حينما أوحى إلى نبيه الكريم أن يفرض على الأمة إطعام صاع من هذه الأطعمة مش داري هو ولا عارف مصلحة الفقراء والمساكين كما عرف هؤلاء الذين يزعمون بأنه إخراج القيمة أفضل ،
لو كان إخراج القيمة أفضل لكان هو الأصل وكان الإطعام هو البدل لأن الذي يملك النقود يعرف أن يتصرف بها حسب حاجته إن كان بحاجة إلى الطعام اشترى الطعام ،إن كان بحاجة إلى الشراب اشترى الشراب ، إن كان بحاجة إلى الثياب اشترى الثياب فلماذا عدل الشارع عن فرض القيمة أو فرض دراهم
أو دنانير إلى فرض ما هو طعام إذن له غاية ، فلذلك حدد المفروض ألا وهو الطعام من هذه الأنواع المنصوصة في هذا الحديث وفي غيره ، فانحراف بعض الناس عن تطبيق النص إلى البديل الذي هو النقد هذا اتهام للشارع بأنه لم يحسن التشريع لأن تشريعهم أفضل وأنفع للفقير هذا لو قصده ، كفر به
لكنهم لا يقصدون هذا الشيء ، لكنهم يتكلمون بكلام هو عين الخطأ ، إذن لا يجوز إلا إخراج ما نصّ عليه الشارع الحكيم وهو طعام على كل حال .
وهنا ملاحظة لابد من ذكرها ، لقد فرض الشارع أنواع من هذه الأطعمة لأنها كانت هي المعروفة في عهد النبوة والرسالة لكن اليوم وجدت أطعمة نابت مناب تلك الأطعمة ، اليوم لا يوجد من يأكل الشعير ، بل ولا يوجد من يأكل القمح والحب لأنه الحب يتطلب شيء آخر وهو أن يوجد هناك الطاحونة ويتطلب وجود تنور صغيرأو كبير كما لا يزال موجود في بعض القرى ، فلما هذه الأطعمة أصبحت في حكم المتروك المهجور
فيجب حينئذ أن نخرج البديل من الطعام وليس النقود ، لأننا حينما نخرج البديل من الطعام
صرنا مع الشرع فيما شرع من أنواع الطعام المعروفة في ذلك الزمان .
أما حينما نقول نخرج البديل وهو النقود وردعلينا أن الشارع الحكيم ما أحسن التشريع
لأننا نقطع جميعا على أن النقود هي أوسع استعمالا من الطعام ، لكن لما رأينا الشارع الحكيم فرض طعاما ووجدنا هذا الطعام غير ماشي اليوم
حينئذ لازم نحط عن بديله .
بديل مثلا الأرز أي بيت يستغني عن أكل الأرز ؟
لا أحد ، لا فقير ولا غني إذن بدل القمح بنطلع الأرز أوبنطلع السكر مثلا أو نحو ذلك من أي طعام .
يوجد في بعض الأحاديث الأقط والأقط هو اللي بيسموه هنا الجميد يمكن الإنسان يطلّع من هذا الطعام لكن حقيقة بالنسبة لنحن في سوريا في العواصم مش معروف الجميد لكن في كثيرمن القرى معروف
وإذا أخرج الإنسان جميدا لبعض الفقراء والمساكين ماشي الحال تماما بس هذا يحتاج إلى شيء من المعرفة انه هذا الإنسان يستعمل الجميد وإلا لا ،الذي أراه أنه لا يغلب استعماله كذلك منصوص في بعض الأحاديث التمر لكن أعتقد أنه التمر في هذه البلاد لا يكثر استعماله كما يستعمل في السعودية مثلا
فهناك طعامه مغذي فربما يقيتوهم ويغنيهم عن كثير من الأطعمة ، المهم الواجب ابتداءا وأصالة إخراج شيء من هذه الأنواع المنصوصة في نفس الحديث
ولا يخرج إلى طعام آخر كبديل عنه إلا إذا كان لا يوجد حوله فقراء ومساكين يأكلون من هذا الطعام الذي هو مثلا كما قلنا الأقط أو التمر
كذلك الزبيب مثلا الزبيب عندنا يؤكل لكن ما هو إيش ما هو ؟
ما هو طعام اليوم يدّخرويقتاتون به فالأحسن فيما نعتقد والله أعلم هو إخراج الأرز ونحو ذلك مثل ما قلنا أو الفريك
فهذه الأقوات يأكلها كل الطبقات من الناس .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ـــــ
المصدر :
سلسلة الهدى والنور لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
( شريط رقم 274 الدقيقة : 55 )
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا
إذا كانت النقود أكثر نفعا من الطعام ؟
السؤال الثاني:
أو حالة صعوبة إيصال الطعام إلى المسلمين الأكثر حاجة إلا عن طريق بعث المال الذي يستعمل لشراء الطعام في بلدهم
علما أنه لن يصلهم إلا بعد صلاة العيد، و لعله بعد أيام ؟
و جزاكم الله خيرا
فتوى فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في زكاة الفطر
الذين يقولون بجواز إخراج صدقة الفطر نقودا هم مخطئون لأنهم يخالفون النص :
حديث الرسول عليه السلام الذي يرويه الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله ابن عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما قال :
" فرض رسول الله صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط "
فعين رسول الله هذه الفريضة التي فرضها الرسول عليه السلام ائتمارا بأمر ربه إليه ليس نقودا وإنما هو طعام مما يقتاته أهل البلد في ذلك الزمان
فمعنى هذا الحديث أن المقصود به ليس هو الترفيه عن الناس الفقراء والمساكين يلبسوا الجديد والنظيف
وو ... الخ وإنما هو إغنائهم من الطعام والشراب في ذاك اليوم وفيما يليه من الأيام من بعد العيد .
وحين أقول بعد العيد فإنما أعني أن يوم الفطر هو العيد أما اليوم الثاني والثالث فليسوا من العيد في شيء إطلاقا ، فعيد الفطر هو يوم واحد فقط
وعيد الأضحى هو أربعة أيام فالمقصود بفرض صدقة الفطر من هذا الطعام المعود في تلك الأيام هو إغناء الفقراء والمساكين في اليوم الأول من عيد الفطر
ثم ما بعد ذلك من أيام طالت أو قصرت .
فحينما يأتي انسان ويقول لا ، نخرج القيمة هذا أفضل للفقير ، هذا يخطئ مرتين :
المرة الأولى : أنه خالف النص والقضية تعبدية هذا أقل ما يقال .
لكن الناحية الثانية :
خطيرة جدا
لأنها تعني أن الشارع الحكيم ألا وهو رب العالمين حينما أوحى إلى نبيه الكريم أن يفرض على الأمة إطعام صاع من هذه الأطعمة مش داري هو ولا عارف مصلحة الفقراء والمساكين كما عرف هؤلاء الذين يزعمون بأنه إخراج القيمة أفضل ،
لو كان إخراج القيمة أفضل لكان هو الأصل وكان الإطعام هو البدل لأن الذي يملك النقود يعرف أن يتصرف بها حسب حاجته إن كان بحاجة إلى الطعام اشترى الطعام ،إن كان بحاجة إلى الشراب اشترى الشراب ، إن كان بحاجة إلى الثياب اشترى الثياب فلماذا عدل الشارع عن فرض القيمة أو فرض دراهم
أو دنانير إلى فرض ما هو طعام إذن له غاية ، فلذلك حدد المفروض ألا وهو الطعام من هذه الأنواع المنصوصة في هذا الحديث وفي غيره ، فانحراف بعض الناس عن تطبيق النص إلى البديل الذي هو النقد هذا اتهام للشارع بأنه لم يحسن التشريع لأن تشريعهم أفضل وأنفع للفقير هذا لو قصده ، كفر به
لكنهم لا يقصدون هذا الشيء ، لكنهم يتكلمون بكلام هو عين الخطأ ، إذن لا يجوز إلا إخراج ما نصّ عليه الشارع الحكيم وهو طعام على كل حال .
وهنا ملاحظة لابد من ذكرها ، لقد فرض الشارع أنواع من هذه الأطعمة لأنها كانت هي المعروفة في عهد النبوة والرسالة لكن اليوم وجدت أطعمة نابت مناب تلك الأطعمة ، اليوم لا يوجد من يأكل الشعير ، بل ولا يوجد من يأكل القمح والحب لأنه الحب يتطلب شيء آخر وهو أن يوجد هناك الطاحونة ويتطلب وجود تنور صغيرأو كبير كما لا يزال موجود في بعض القرى ، فلما هذه الأطعمة أصبحت في حكم المتروك المهجور
فيجب حينئذ أن نخرج البديل من الطعام وليس النقود ، لأننا حينما نخرج البديل من الطعام
صرنا مع الشرع فيما شرع من أنواع الطعام المعروفة في ذلك الزمان .
أما حينما نقول نخرج البديل وهو النقود وردعلينا أن الشارع الحكيم ما أحسن التشريع
لأننا نقطع جميعا على أن النقود هي أوسع استعمالا من الطعام ، لكن لما رأينا الشارع الحكيم فرض طعاما ووجدنا هذا الطعام غير ماشي اليوم
حينئذ لازم نحط عن بديله .
بديل مثلا الأرز أي بيت يستغني عن أكل الأرز ؟
لا أحد ، لا فقير ولا غني إذن بدل القمح بنطلع الأرز أوبنطلع السكر مثلا أو نحو ذلك من أي طعام .
يوجد في بعض الأحاديث الأقط والأقط هو اللي بيسموه هنا الجميد يمكن الإنسان يطلّع من هذا الطعام لكن حقيقة بالنسبة لنحن في سوريا في العواصم مش معروف الجميد لكن في كثيرمن القرى معروف
وإذا أخرج الإنسان جميدا لبعض الفقراء والمساكين ماشي الحال تماما بس هذا يحتاج إلى شيء من المعرفة انه هذا الإنسان يستعمل الجميد وإلا لا ،الذي أراه أنه لا يغلب استعماله كذلك منصوص في بعض الأحاديث التمر لكن أعتقد أنه التمر في هذه البلاد لا يكثر استعماله كما يستعمل في السعودية مثلا
فهناك طعامه مغذي فربما يقيتوهم ويغنيهم عن كثير من الأطعمة ، المهم الواجب ابتداءا وأصالة إخراج شيء من هذه الأنواع المنصوصة في نفس الحديث
ولا يخرج إلى طعام آخر كبديل عنه إلا إذا كان لا يوجد حوله فقراء ومساكين يأكلون من هذا الطعام الذي هو مثلا كما قلنا الأقط أو التمر
كذلك الزبيب مثلا الزبيب عندنا يؤكل لكن ما هو إيش ما هو ؟
ما هو طعام اليوم يدّخرويقتاتون به فالأحسن فيما نعتقد والله أعلم هو إخراج الأرز ونحو ذلك مثل ما قلنا أو الفريك
فهذه الأقوات يأكلها كل الطبقات من الناس .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ـــــ
المصدر :
سلسلة الهدى والنور لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
( شريط رقم 274 الدقيقة : 55 )