جديد الموقع



الجمعة، 30 مايو 2014

ضرورة التفقه في الدين ---- للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله تعالى- [شريط مفرغ]


الحمد لله الذي بعث محمدا الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
أحمده سبحانه خير حمد وأوفاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، كلما صلى عليه المصلّون وكلما غفل عن الصلاة عليه الغافلون وسلم اللهم تسليما مزيدا.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر.
كما أسأله سبحانه أن يمنحني وإياكم الفقه في دينه والصبر على ذلك، وأن ينور قلوبنا بكتابه وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن لا يحجب ذلك بذنوبنا إنه سبحانه سميع قريب.
أيها الإخوة لاشك أن إنزال هذا الدين على محمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أمر جلل عظيم كما قال جل وعلا ?قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ?[ص:68]، وقال سبحانه ?عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ?[النبأ:1-2]، فالقرآن نبأ عظيم، ودين الإسلام نبأ عظيم، وبعثة محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ نبأ عظيم.
ولهذا وجب على الجميع من العقلاء وذوي الألباب الذين يعلمون ما يصلحهم في دنياهم وفي آخرتهم أن يرفعوا رأسا بهذا الدين، وأن يُقْبِلوا عليه كما أقبل عليه الرعيل الأول من صحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين وصفهم الله جل وعلا في قوله ?مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا?[الفتح:29] الآية.
والرعيل الأول من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِروا فأتمروا، ونُهُوا فانتهوا وعمرت قلوبهم بالإيمان، وعمرت نفوسهم بتوحيد الله جل وعلا وبالإقبال على القرآن والفقه فيه.
لهذا حفظ هذا الدين بنقل العدول عن العدول عن العدول إلى صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالعلم هو الذي أَوْرَثَنَاه محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ولهذا قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» وقال أيضا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «مثل ما بعثني به الله من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أراضا» الحديث الذي في الصحيحين.
فإذن كوننا على ميراث من دين الإسلام ليس هذا أمرا هينا وليس هذا بالأمر السهل؛ بل هذا أمر عظيم وإنما يتفطن لعظمته أولوا الألباب وأولوا العقول، وهذا الدين أوجب الله جل وعلا على عباده أن يتعلموه فقال سبحانه ?فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ?[محمد:19]، وقال جل وعلا ?فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ?[التوبة:122].
ولا شك أن بقاء الدين عزيزا إنما يكون ببقاء العلم وببقاء العلماء، لهذا صح عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كما في البخاري وغيره أنه قال «إن الله لا ينزع العلم انتزاعا -وفي رواية قال: لا يقبض العلم انتزاعا- ينتزعه من صدور العلماء لكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم -وهي أصح من لم يُبق عالما- اتخذ ناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» لم يحفظ هذا الدين إلا بتوفيق الله جل وعلا ورحمته ومنته ونعمته بسبب جهاد الصحابة رضوان الله عليهم في امتثال العلم الذي ورثه إياه النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
لهذا كان من أعظم الجهاد؛ بل هو أعظم أنواع الجهاد، الجهاد في التفقه في الدين والتعلم، ولهذا جاء ابن عباس رجل فقال له يا ابن عباس رضي الله عنهما فقال له يا ابن عباس إني أريد الجهاد في سبيل الله. فقال له: ابْنِ مسجدا وتعلم العلم وعلم فيه الفرائض والسنن، فذاك أفضل.
ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن طلب العلم وطلب الفقه في الدين أفضل من جهاد التطوع الذي لم يتعيّن على المسلم، وذلك لأن حفظ الدين يكون بوسيلتين:
يكون حفظ الدين برد أعدائه الذين يقاتلون بأنفسهم.
ويكون حفظ الدين برد كيد الأعداء والشيطان والنفس بانتزاع العلم من الناس؛ لأنه إذا نزع العلم فاض الجهل وجاءت الضلالات بأنواعها.
موضوع هذه المحاضرة:
ضرورة التفقه في الدين
والدين ليس هو مخصوصا بالحلال والحرام ولذلك التفقه في الدين لا يعني العلم بالعلم بالفقه فقط وإنما هو يعني التفقه وهو التفهم والإدراك والتعلم لدين الله جل وعلا الذي أنزله على محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
وهذا الدين له علوم متنوعة قسمها العلماء مع دخولها في علم الدين وعلم الفقه قسمها العلماء لأجل تنويع الطلب وتيسير الطلب على الناس.
لكن في الحقيقة في قوله تعالى ?إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ?[آل عمران:19]، وفي قوله ?فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ?[التوبة:122] هذا يشمل جميع ما جاء في القرآن وسنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، فيدخل فيه التوحيد والعقيدة ويدخل فيه الفقه بالحلال والحرام ويدخل فيه السلوك وما يُصلح في القلب وأشباه ذلك مما فيه عز وقوة لأهل الدين بتعلم ما أنزل الله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فتعلم أركان الإسلام والفقه في ذلك فقه في الدين، وتعلم أركان الإيمان وهي العقيدة والفقه في ذلك فقه في الدين، وتعلم السلوك وما به تصلح القلوب والفقه في ذلك فقه في الدين.
ولهذا جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الثلاث وهي الإسلام والإيمان والإحسان وكل واحدة تعني نوعا من العلوم: الإسلام، الفقه ونحوه؛ لأن فيه الاستسلام، وذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أركان الإسلام، والإيمان فيه العقيدة، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك جل جلاله، هذا فيه تصحيح العمل بإحسان السلوك والتعبد لله جل وعلا.
قال في آخره عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم».
فإذن التفقه في الدين ضرورة وأمْر أمَر الله جل وعلا به وهو يشمل الفقه في التوحيد والعقيدة الصحيحة التي في الكتاب والسنة وأجمع عليها سلف الأمة، ويشمل أيضا الفقه بما به صلاح العبادة، وهو الأحكام الفقهية وبالعبادات، ويشمل أيضا الفقه بجميع ما يطلب من المسلم أن يعمله أو أن يتركه من أنواع الفقه الأخرى التي يتطرق إليها العلماء في كتب الفقه.
فإذن التفقه في الدين مأمور به، أمر الله جل وعلا به في كتابه، وأمر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحض على ذلك وأثنى على أهله وحذّر من زوال العلم والفقه في الدين، لهذا كان الفقه في الدين من الواجبات على الناس، ويشمل ذلك المراتب التي ذكرنا.
إذا تبين هذا لك، فإن الفقه في الدين بهذه الأنواع التي سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى قال العلماء يحتاج إليه كل أحد، الفقه في الدين يحتاج إليه كل مسلم، يحتاج إليه الرجل وتحتاج إليه المرأة، يحتاج إليه العَزَب، ويحتاج إليه المتزوج، يحتاج إليه من في تجارة خاصة، ويحتاج إليه من هو موظف في الدولة، يحتاج إليه الرعية، ويحتاج إليه الراعي، يحتاج إليه كل من ولي أمرا من أمور المسلمين؛ لأنه إما أن يسير في أموره على هدى وعلم، وإما أن يسير على غير علم وعلى غير بصيرة.
لهذا نشر العلم وإذاعة العلم وبث العلم هو أعظم وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن به صلاح القلوب وصلاح الأنفس وصلاح المجتمعات؛ ولأن به صلاح الأسرة وصلاح الفتيان وصلاح الفتيات؛ ولأن به صلاح المجتمعات فيما يؤمر فيها ويسنّ فيها وينظم فيها من تنظيمات.
فالفقه في الدين ليس مخصوصا بالعلماء، وليس مطلوبا فقط ممن ينتسب إلى العلم؛ بل الفقه في الدين مطلوب من كل أحد، وبهذا قال العلماء الفقه في الدين ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول فرض عين، يجب على كل أحد عينا أن يتعلم هذا القسم، وهو ما لا يصح اعتقاده إلا به، وهو معنى الشهادتين، وتحقيق معنى توحيد لله جل وعلا في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته جل وعلا، والإيمان الإجمالي فيما أُجمل والتفصيلي فيما فصل، في كل ما أخبر الله جل وعلا عنه من أمور الغيب وكل ما فرضه الله جل وعلا على عباده أن يعتقدوه في ذاته جل وعلا أو أسمائه أو صفاته أو في أمور الغيب.
يعني ما لا يصح الإسلام إلا به فإنه من علم العقيدة الواجب على كل الأصناف التي ذكرنا من الأغنياء والفقراء من الرجال ومن النساء.
من أنفع ما يحصل ذلك رسالة ثلاثة الأصول للإمام الدعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ فإنه كتبها لرعاية هذا الجانب في تعليم ما لا يسع المؤمن جهله في مسائل توحيد العبادة، وبعض ما يتصل بذلك من معرفة المرء دينه ونبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
كذلك في أمور العبادات واجب عينا على كل أحد أن يتعلم كيف يصلي، كيف يتطهر للصلاة، بعض الناس يأتي ويدرك الناس على شيء فيفعل كما فعلوا، وربما كانوا مقصرين في بعض صفة الوضوء، يتوضأ لكنه يكون مقصرا لا يتوضأ كما أمره الله جل وعلا، هذه تحتاج إلى علم، وهذا واجب عليك، ما دام أن الصلاة فرض عليك، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيجب عليك التعلم وجوبا عينيا.
كذلك إذا كان المرء ذا مال، فإنه يجب عليه أن يتعلم كيف يخرج زكاة هذا المال وأنصباء المال وأوعية الزكاة ونحو ذلك، حتى يكون مبرئا لذمته فيما أوجب الله جل وعلا عليه.
كذلك الصيام إذا بلغ وجب عليه أن يصوم كما أمره الله جل وعلا، وهو يعلم معنى الصيام وما يصام عنه وما يفطّر الصائم وأشباه ذلك، وما يتصل بذلك من مسائل.
كذلك إذا أراد الحج وجب عليه أن يتعلم أركان الحج وواجبات الحج؛ لأن هذا علم مفروض، واجب على كل أحد أن يؤدي العبادة بعد علم.
ثم تأتي إلى الأبواب الأخر في المعاملات، في البيع والشراء، يجب عليه أن يتعلم ما يصح به البيع، يجب أن يتعلم ما ينهى الشارع عنه من البيوعات حتى لا يدخل في بيوع محرمة كالربا وبيوع الغرر والجهالات والميسر وأشباه ذلك.
إذا أراد المسلم أن يتزوج فإنه ثم حقوق واجبة عليه في عشرته مع أهله، وهذا الفقه يجب عليه أن يتعلمه حتى لا يسير مع أهله على وفق هواه، وإنما يسير على وفق ما أر الله جل وعلا به، وهذا يغفل عنه الكثير وخاصة من الشباب، فإنهم يتزوجون ولا يعرفون الأحكام الشرعية في العشرة، ولا يعرفون ما يجب، وبعضهم يتزوج ثانية ولا يعرف الأحكام، أحكام القسم وكيف يكون العدل بين الزوجات ونحو ذلك.
إذن فما من مسألة إلا وثم فئة لابد فيها أن تتعلم العلم الشرعي، وهذا يعني أن المسلم إذا كان العلم مبسوطا قريبا بين يديه وهو يأتي أموره على جهل وهوى أو على إعراض عما ينبغي من التعلم فإنه ولا شك مقصر ويأثم؛ لأن العلم قريب منه، وهو لم يبحث عن هذا العلم الذي لو بحث عنه لوجده.
كذلك في مسائل المحرمات الموبقات السبع الشرك بالله جل وعلا والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى آخر الموبقات السبع، هذه المحرمات، حرمة الزنا حرمة الخمر حرمة الربا حرمة الرشوة ونحو ذلك من المحرمات التي أجمع العلماء عليها، والتي تحريمها صار من المعلوم من الدين بالضرورة، هذا يجب على كل أحد أن يتعلم ذلك هذه المحرمات، وما يتصل بها وأن يحذر من الوقوع فيها.
إذن دين الله جل وعلا حقيقته هو أداء حق الله على العبد بتوحيده جل وعلا وبعبادته على وفق ما أمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاستجابة لله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض، وهذا النوع الذي ذكرنا هو العلم الواجب العيني.
وأما القسم الثاني من التفقه في الدين وهو الفقه في الدين الكفائي وهو ما إذا كان ثَم طائفة من المسلمين في البلد نفسه قاموا بهذا الفرض الكفائي فإنّ الإثم يزول عن بقية المؤمنين.
ولهذا في الحقيقة وجود طلبة علم في مكان وفي بلد، وحرص هؤلاء على العلم والتعليم والتعليم، وبذل الأوقات في ذلك، هذا له أثر على الجميع لو عقلوا، وهو أن تفرغهم لذلك وإقبالهم عليه رفع عنهم الإثم؛ لأنهم قاموا بفرض الكفاية فدعمهم وحثهم وشكرهم هذا مما ينبغي ويحسن لأنهم قاموا بما هو مفروض على الجماعة.
في بعض القرى يكون ثَم شباب أو ثم يؤنس في نفسه رشدا ولا يكون في القرية طلاب العلم يكفون، وتجد أن هؤلاء ينشغلون عن العلم بغيره، وهؤلاء لا تبرأ ذمتهم؛ لأن الأصل كما قال العلماء أن كل بلد له حكمه في وجود وتحقيق الفرض الكفائي، فلا يقال في بلد نحن قريبون من البلد الفلانية؛ لأن هذا خلاف الأصل، والأصل أن كل بلد يخاطب أهلها بوجود بعض طلبة العلم ومن يتعلمون العلم الكفائي حتى ينفعوا أهل البلد وحتى يعلموا أهل البلد ما ينفعهم في دينهم وما يجب عليهم ويحرم عليهم في دين الله.
لهذا نقول: إن الواقع مع هذا إقبال الذي نشهده في العلم وطلب العلم؛ لكن الواقع أن العلم والفقه في الدين الناس معه مقصرون جدا، والناس اليوم كثير كثير، فهل يحتاجون إلى ألف طالب علم أو إلى ألفين أو إلى عشرة آلاف أو إلى أكثر؟ يحتاجون إلى أكثر وأكثر، وكل أهل بلد يجب عليهم التفقه في الدين تفقها عينيا فيما يجب عينا فيه وتفقها كفائيا فيما يجب كفائيا فيه.
وما أعظم قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من يرد الله أن يهديه يفقهه» كما جاء في أحد حديث ابن عمر، وفي الرواية المشهورة «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»، والحظ الرواية الأولى «من يرد الله أن يهديه يفقهه»؛ لأن حقيقة الفقه أن ينشرح الصدر للإسلام بكله ?فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء?[الأنعام:125].
إذا تبين لك ذلك وأنه يجب على كل مسلم أن يتعلم العلم العيني ويجب على جماعة المسلمين في كل بلد أن يكون منها طلاب علم يتعلمون ويبذلون في العلم أوقاتهم وترسخ أقدامهم في العلم حتى يقوموا بالواجب الكفائي، فإن للفقه في الدين لمن أراد أن يطلبه له منهج، ومن الناس من يريد ولكن لا منهج عنده لتحصيل العلم، فلذلك يدرك بعضا ويفوته بعض ويكون مشتتا بين ذا وذاك.
أما التوحيد والفقه في التوحيد فهو الذي سماه بعض العلماء الفقه الأكبر؛ لأن الله جل وعلا قال ?لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ?[التوبة:122]. والعلماء سموا العلم بالأحكام العبادية والمعاملات إلى آخره وسموها فقها، فسموا ما يقابله الفقه الأكبر؛ لأنه الأهم والأعظم، هذا الفقه الأكبر وهو توحيد الله جل وعلا، له منهج في طلبه والعلم به، وليس العلم به تجميع مسائل أو أجوبة من الشيخ الفلاني أو العالم الفلاني أو قراءة الفتاوى، ليس ذلك، هذا زاد في الطريق؛ لكن العلم بالتوحيد له منهج.
التوحيد أو العقيدة يقسمها العلماء إلى قسمين:
القسم الأول التوحيد وهو ما يدخل في توحيد الربوبية والألوهية الأسماء والصفات.
والثاني العقيدة التي تدخل في أركان الإيمان الستة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر وخيره وشره وهي التي جاءت في الكتاب وحديث جبريل وما اتصل بذلك من مسائل العقيدة.
هذا التوحيد، الفقه فيه هو أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه؛ لأنه أعظم الفرائض قد صح عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أنه قال «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما فرضته عليه» فهذا الفرض وهو العلم بالتوحيد العلم بالعقيدة هذا من أوجب الواجبات.
كيف تتعلم وما هو المنهج في ذلك؟ هذا من أعز المطالب.
لو رأيت صنيع العلماء الذين رسخت قدمهم في العلم فصار الناس يرجعون إليهم لوجدت أنهم طلبوا العلم على أشياخهم على منهج ساروا عليه وصار عليه من قبلهم وسار عليهم العلماء في قرون متطاولة، وهو أن يُبدأ في ذلك بالنُّبذ والمختصرات من الرسائل والكتب، ثم يُترقى إلى ما هو أكبر فنأخذ أقسام التوحيد وما ينفع فيها؛ يعني في تحقيق الفقه وطلب العلم فيها.
أما توحيد الربوبية وهو مهم لا كما يظن البعض أن توحيد الربوبية ليس مهما؛ بل طلب العلم فيه مهم؛ ولكنه ليس هو الأساس، وإنما الأساس توحيد العبادة؛ لأن من عبد الله جل وعلا وحده لا شريك له فإن عبادته لله وحده تضمنت أنه وحّد الله في ربوبيته أنه لا رب سواه جل وعلا؛ لكن توحيد الربوبية مهم، ووجه أهميته من جهتين:
الجهة الأولى أنه وسيلة لقيام الحجة في توحيد الإلهية، والله جل وعلا في القرآن في آيات كثيرة جعل الحجة لازمة للمشركين في عدم توحيدهم لله في العبادة بأنهم وحدوا الله في الربوبية، قال جل وعلا مثلا ?قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ?[يونس:31-32] يعني إذا أيقنتم أن الله هو المدبر وهو المحيي وهو المميت، فهو المستحق إذن للعبادة ?أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا?[الأعراف:191-192].
فإذن في القرآن جعل توحيد الربوبية أو جعل الإقرار بأن الله هو الرب وهو المدبر وهو المحيي والمميت وهو الذي يجير ولا يجار عليه وهو الخالق الرازق إلى آخره، جعله ملزما للمشرك لعبادة الله وحده دونما سواه، وهذا كثير في آيات القرآن.
الثاني من وجه أهمية توحيد الربوبية أن القرآن فيه كثير من الآيات فيها إرشاد إلى صنع الله جل وعلا في ملكوته وفي تدبيره للأمر وفي أنه سبحانه وتعالى هو الرب المتصرف وحده الرزاق وحده إلى آخر ذلك، والفقه في هذا يجعل المؤمن على حقيقة التوكل عليه سبحانه وتعالى، وعلى حقيقة التدبر في أنه لا قناعة له عن الله جل وعلا طرفة عين، وفي حقيقة أنّ الرب جل جلاله هو الغني، وأن العبد فقير، وإنما يأتي الخلل في العبادة ويأتي الخلل في عدم الخضوع والخشوع ويأتي الخلل في ارتكاب المنكرات وفي اقتحام المحرمات، وفي التفريط في الواجبات إذا لم تعمر محبة الله جل وعلا القلوب، ولم يُجل جل وعلا أعظم الإجلال ولم يخف منه فإن المرء كلما تدبر ونظر وكلما علم الآيات التي فيها أن الله هو الرب جل وعلا وحده وهو المتصرف يعني ما يدخل في توحيد الربوبية، وأن كل شيء هو إنما بيده سبحانه وتعالى، كلما عمر القلوب كلما خشعت ولو كادته الناس جميعا لما أبه بذلك.
وهذا يؤدي -يعني عدم الاهتمام بالفقه في توحيد الربوبية- يؤدي إلى ضعف القلوب تجاه الناس وإلى ضعف القلوب في التمسك، ويكون الخشوع ضعيفا لأنه لم يجل الله جل وعلا ولم ير بديع صنع الله جل وعلا في كل شيء.
ولقد أحسن القائل:
وفي كل شيء له آية تدلّ على أنه الواحد
سبحانه وتعالى.
الفقه في توحيد الربوبية كيف يكون؟ في أن تتأمل تفسير القرآن في الآيات التي فيها ذكر عظمة الله جل وعلا، وأنت تقرأ هذه الآيات تتعلم التفسير، ليظهر لك ما فيها من العلم بالتوحيد.
ثم ثانيا أن تنظر إلى كتاب لابن القيم وهو كتاب مفتاح دار السعادة فإنه من أعظم الكتب في بيان ما به تستقرّ عظمة الله جل وعلا في نفس المسلم ويعظم بها محبته ورجاؤه والخوف منه جل جلاله، وهذا أيضا يُعلم بوسائل أخرى.
أما توحيد العبادة فالمنهج في طلبه أن يبتدئ بالمختصرات، وخاصة كتاب ثلاثة الأصول للإمام الدعوة كما ذكرنا، ثم كتاب التوحيد، ثم بعده كتاب كشف الشبهات.
وهذه الثلاث مراتب مهمة في أن يطلب الأول عن شيخ أو أن يقرأه بنفسه وأن يقرأ كتاب التوحيد على عالم أو أن يقرأه بنفسه أو يقرأ كشف الشبهات على عالم أو يقرأه بنفسه بحسب ما تيسر له لكن المنهج أن تقرأه على عالم أو أن تستمع أشرطة فيها شرح للعلماء على هذه الكتب.
هذا من أهم المهمات أن يتعلم العبد مسائل التوحيد تأمل قول الله جل وعلا عن إبراهيم الخليل عليه السلام ?وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ?[إبراهيم:35] قال إبراهيم التيمي من سادات التابعين قال: خاف إبراهيم البلاء على نفسه فدعا أن يجنبه الله عبادة الأصنام من يأمن البلاء بعد إبراهيم.
ولهذا من خاف من شيء هرب منه إلى ضده، هرب منه إلى ما ينجيه ففروا إلى الله، لا مفر من الله غلا إليه سبحانه وتعالى، فإذا خفت حقيقة من الشرك، ومن أن يحبط عملك من أن تعمل شركا، وأنت لا تدري أو أن تعمل شيئا وأنت مفرط، العلم موجود لكنك لا تسأل، أو أن يكون عندك وأمامك وما يحبط بعض العمل أو ينقص الأجر يكسب السيئات فيما يتصل بالتوحيد وأنت لا تتعلم لاشك أن هذا مما يأثم به العبد ومما يُنقص حسناته في بعض المسائل.
لهذا واجب أن تتعلم حقيقة التوحيد والشرك وصور التوحيد وصور الشرك ومن أعظم ما ينفعك في هذا كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ثم المرتبة الثالثة كشف الشبهات، وكشف الشبهات مهمة؛ لأن طالب العلم بعد معرفته لثلاثة الأصول ومعرفة العبد ربه ومعرفة العبد دينه ومعرفة العبد نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، بعد معرفته يحتاج إلى الأدلة في التوحيد بالتفصيل والشرك وأنواعه الأكبر والأصغر والخفي ومسائل من توحيد السماء والصفات والربوبية إلى آخره، ثم بعدها ينظر إلى شبه المشركين أن من الناس من يتعلم لكن يأتيه المشبه بشبهة فيصبح قلقا في قناعته وإيمانه بأصل دينه، لهذا لابد من أن يتعلم بعد ذلك ما الشبه التي يروّجها أو يبثّها المشركون والخرافيون في توحيد العبادة، ثم يتعلم ردّ العلماء على ذلك حتى يكون على بينة ولا يمكن بإذن الله تعالى وتوفيقه أن تروج عليه الشبه.
اليوم سمعنا كثيرا مثل ما تسمعون أن من الناس من أهل الفطرة وأهل التوحيد في هذه البلاد ربما شكوا بعض مسائل التوحيد، ما السبب؟ السبب أنهم لم يقبلوا ويقولون ببعض الشبه وكأن العلماء لم يجيبوا عنها، وكأنه لا جواب عنها في كتاب الله جل وعلا وفي سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيما دونه الأئمة والعلماء وخاصة أئمة الدعوة النجدية رحم الله الأئمة جميعا، فكيف إذن يكون المرء ناجيا والعلم بين يديه وهو لا يقبل عليه، ولقد أحسن القائل إذ يقول:
ومن العجائب والعجائب جمة قرب الدواء وما إليه وصول
كالعـيس في البيداء يقتلها الضمأ والماء فوقها محمول
فإذا علمت الحق فإنه يجب عليك أن تؤديه حتى يثبت، إذا علمت معنى التوحيد وثلاثة الأصول تعلم بيتك تعلم أسرتك، أيضا تقيم الحجة على المعاند وتتمرن على ذلك حتى يقوى في قلبك، وحبذا أن يكون ذلك بأسلوب لطيف بأسلوب جيد ولو كان بأسلوب آخر فإنه ينفع بإذن الله تعالى؛ ولكن ينبغي أن يتحرى بالتي هي أحسن؛ لكن الإغلاظ في موقعه لابد منه، والسهولة واللين في موضعه هو الأصل، ولابد منه، ولهذا أيضا الشاعر ولقد أحسن فيما قال:
أبِنْ وجه نور الحق في وجه سامعه ودعه فنور الحق يسري ويشرق
سيذكره يومـا وينسى نكـاره كما نسي التوثيق من هو مطلق
يتذكر الحق الذي فيه يوما من الأيام، فلهذا ابذل ما عندك بعد التعلم فإنه سبب ووسيلة إلى ثبات العلم والذي يتعلم ولا يبذل العلم تعليما؛ لأهله لصغاره لمن حوله أهل حيه للناس فيما يحسنه من لا بذل العلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكتابة إلى آخره، فإنه ربما ضعف في هذا الجانب وقد قال جل وعلا ?وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا?[النساء:66-70].
إذن التعلم له منهج، فبعد أن تتعلم أبذل العلم بقدر المستطاع.
ولهذا أنا أعجب من طائفة من طلبة العلم يتعلمون ولا يبذلون العلم، أُبذل ما علمت بيقين، علمته بأدلته وفهمته على العلماء والمشايخ أبذله، فهل لابد أن تبذله في محاضرة في مسجد؟ أو أن تلقي كلمة في مكان عام؟ ليس كذلك تبذل العلم في بيتك، تبذل العلم في دعوة تجتمعون فيها على الخير والصلاح تبذل فيها، تأتي فيها بما ينفع، هذا بذل العلم، أنت ومن معك من زملاء أو أصدقاء وأصحاب تبذل فيها لعلم وتكون المجالس عامرة بالعلم والفقه في الدين هذا من أعظم ما ينفع في الفقه وفي الثبات عليه وفي علم ما لا تعلم، فهذا قد جرب فإن الذي يبذل العلم يعلم ما لم يعلم وهذا من فتح الله جل وعلا وإنعامه على عبده.
الثالث توحيد الأسماء والصفات، توحيد الأسماء والصفات يدخل في علم العقيدة الذي سيأتي بيانه فكتب العقيدة التي فيها بيان أركان الإيمان وما يتصل بذلك مختصة بشرح بيان توحيد الأسماء والصفات.
أما العقيدة فهي أعظم الفقه في الدين، التوحيد والعقيدة معا هي أعظم ما يتفقه به في الدين، والعقيدة الكتب فيها كثيرة، فهناك للمتأخرين المعاصرين متنوعة المشارب والمذاهب، وهناك كتب لعلماء السلف وهناك متوسطة في القرون المتوسطة عنب ما بين القرن الثالث إلى القرن الثاني عشر هذه كتب مختلفة وأيضا اضطراب وفيها أخذ ورد من متنوعات المسائل.
والذي يجب على كل من يريد الفقه في الدين وأن يطلب نجاته أن يهتم بالعلم الموروث في العقيدة عن سلف هذه الأمة لم؟ لأن السلف الصالح على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، كما قال ابن مسعود وكما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: إنهم -يعني الصحابة وسادات التابعين- على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا. يعني ما تكلموا فيه تكلموا فيه عن علم وما كفوا عنه لم يكفوا عنه لأنهم ليسوا بعلماء؟ لا ولكنهم لأنهم تلكموا بعلم فيما تكلموا فيه وكفوا بعلم وببصر نافذ فيما كفوا عنه.
ولهذا يجب أن يؤخذ الاعتقاد عن سلف هذه الأمة وعن من تبعهم من أئمة وعلماء الإسلام وكتب السلف واعتقاد والسلف مدونة معروفة.
لكن كمنهج مبسط لطالب العلم أول ما يبدأ بكتاب لمعة الاعتقاد لابن قدامة، ثم يليه الواسطية لشيخ الإسلام بن تيمية، ثم يليه الحموية أيضا لابن تيمية، ثم يليه شرح الطحاوية أو متن الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي رحمهم الله تعالى جميعا.
ويقرأ كل واحد على عالم أو يسمع الشريط فيها، يأخذ منها ما تيسر وكل واحد يأخذ بقدر ما عنده من الاستعدادات والقرائح والفُهوم.
وهنا مسألة مهمة في تعلّم العقيدة وهي أن العقيدة والفقه فيها ليس سهلا وليس صعبا، ليس سهلا لأنه قد يدخل فيها بعض المباحث الكلامية التي يكون فيها رد على المبتدعة في القدر والإيمان والأسماء والصفات ونحو ذلك من المسائل، وليس صعبا لأن كل عقيدة كتبها أئمة الإسلام المتّبعون للسلف الصالح هي مستقاة؛ بل دليلها النص من القرآن أو من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثَم مسائل قليلة دليلها الإجماع.
هذه العقيدة مشتملة على أقسام:
القسم الأول بيان أركان الإيمان الستة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى.
القسم الثاني ما يتصل بمنهج التعامل مع الخلق الذي باين به أهل السنة أهل البدع، كيف تتعامل مع ولاة الأمر، كيف تتعامل مع العصاة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كيف تتعامل مع الصحابة رضوان الله عليم، كيف تتعامل مع أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، ونحو ذلك من المسائل التي صارت مسائل عقدية؛ لأن أهل السنة باينوا فيها وخالفوا فرق الضلال وجماعات البدعة من الخوارج والمعتزلة والمرجئة والرافضة إلى آخر أصنافهم.
القسم الثالث سمات أهل السنة والسلف الصالح في التعبد؛ لأن أهل السنة في عقائدهم ليسوا كالنصارى وليسوا كاليهود في أن عقائدهم مناقشات عقلية لا أثر لها على السلوك، لهذا تجد ابن تيمية في آخر الواسطية ذكر القسم الثالث وهو السلوك فقال في وصف أهل السنة (وهم مع ذلك يحضرون الجمع والجماعات ويصومون ويقومون الليل ويتصدقون) وإلى آخر ما جاء في كلامه، ما معنى هذا؟ معناه أن أثر العقيدة مكمل لحقيقة الاعتقاد.
هذا ما يتصل بالقسم الأول وهو الفقه الأكبر الفقه التوحيد والعقيدة ودين الإسلام.
أما القسم الثاني وهو الفقه المعروف بفقه الفروع وهو المبتدئ بالطهارة إلى كتاب الإقراض.
هذا الفقه أيضا مهم، ومنهجية الطلب فيه أن يتدرج طالب العلم فيه بحسب ما تدرج فيه العلماء.
وأضرب لك مثلا على هذا التدرج فيما صنفه العلامة الحافظ عبد الله بن أحمد بن قدام المقدسي صاحب كتاب المقنع وكتاب المقنع والكافي والعمدة والمغني وكتب أخرى كثيرة.
لما ألف كتبه في الفقه جعلها مرتبة على المنهج، فجعل العمدة للمبتدئين، وجعل المقنع بعده للمتوسطين، وفوق المقنع الكافي لبداية المنتهين، ثم بعده لأهل الاجتهاد جعل كتاب المغني.
وهذه المرحلية مهمة، كتاب العمدة تميز بأنه كتاب مختصر فيه مسائل قليلة في كل باب، وفي كل باب يذكر أصل الباب من الكتاب أو من السنة، ولا يذكر الخلاف؛ لا الخلاف العالي ولا الخلاف النازل، ولا يذكر طبعا في ذلك خلاف المذهب والروايات إلا ما ندر جدا.
فيعلم طالب العلم كيف يتعلم؛ لكن يبتدئ بكتاب مطول متى ينتهي منه؟ والبحر إذا كان عميقا ولم يحسن المرء السباحة فإنه يتأذى وقد يغرق ويتخلف عن ركب العلم.
لهذا تبتدئ بالعمدة شيئا فشيئا، ثم بعد ذلك تقتنع إلى المقنع.
المقنع مرتبة ثانية أو مختصرات المقنع وما جاء عنه مرتبة ثانية لماذا؟ لأنه جعل المسائل أطول قليلا، ويذكر في بعض المسائل الخلاف ليمرّن طالب العلم -الخلاف في المذهب يقول في هذه المسألة روايتان وفيها وجهان- يمرّن طالب العلم على بعض مسائل الخلاف.
المرتبة الثالثة في كتاب الكافي تجد أنه في شرح للفقه جعل الكتاب أو سع من المقنع، وجعل الخلاف فيه بأعلى ويذكر عدة روايات في أكثر المسائل والأوجه، وربما ذكر خلاف غير المذهب على ندرة، ويذكر أيضا الأدلة التي استدل بها علماء المذهب.
ثم في المرتبة الأربعة للمجتهدين الكتاب المعنى وفيه أكثر المسائل والخلاف العالي والنازل والأدلة وما احتج به الحنابلة وما احتج به أصحاب المذاهب الأخرى.
هذا يعطيك منهجية؛ لأن عددا من طلاب العلم رأوا أن الفقه طويل فأخذوا يجمعون الفقه عن طريق الفتاوى، يقرأ فتاوى العلماء ويجمّع فتاوى المشايخ، ويبدأ يقرأ هذا يحصل فقها، الفتاوى تطبيق للفقه على النوازل، الفقه أكمل وأشمل وأعظم من الفتوى لأنه قبل التطبيق، بعد ذلك رعاية الواقع في الفتوى هذا تطبيق للفقه على الواقع وتنزيل له على المسألة.
لهذا لا يمكن أن يحصل العلم ويسير في منهجية من يقرأ الفتاوى فقط، ولكن الفتوى مساندة للطلب المنهجي سواء في التوحيد الفتاوى في توحيد العبادة في العقائد أو في الفقه فإنها تسانده؛ لأنه يصل للمرء التدريج ويحصل لطالب العلم معرفة بحكم العلماء في الواقع.
إذا تبين لك ذلك فهل هذا الذي ذكرت مما يختص به طلبة العلم؟ لا، هل هذا ما يخاطب به إلا العلماء وطلبة ممن يعلم أو يتعلم على هذا المنهاج؟ لا، يمكن أن تدرّج أنت حتى أفراد الأسرة، يمكن المرأة الأم أن تدرج أيضا إذا تعلمت من عندها على ذلك، وليس من اللوازم أن تبدأ بكتاب تشرحه كلمة كلمة، ولكن الفقه والتفقه يكون بأن تمشي شيئا فشيئا على نحو ما مشى عليه العلماء، تأخذ في كل باب أصول المسائل التي تنفع من تريد تعليمه.
فمثلا الشاب إذا راهق وصل إلى 13، 14، 15، ثم أحكام لابد أن يعلّمه إياها والده أو أخوه الأكبر، ولا حياء في الدين، كذلك البنت المرأة إذا ناهزت الاحتلام أو قربت ثم أحكام لابد أن تتعلمها، كيف تصلي، كيف تتطهر، أيضا الولد كيف يحافظ على الصلوات أوقات الصلاة وأشباه ذلك، الطهارة الاغتسال.
فإذن التعلم لابد أن يكون على مستوى من تعلم، كذلك في التوحيد لابد فيه من البث والتعليم فيه لابد أن يكون شيئا فشيئا.
أريد من هذا -والوقت قد أزف- أن ضرورة التفقه في الدين ضرورة ملحّة، ويجب أن يعلم إنها ليست خاصة بطلبة العلم؛ بل لابد أن نشيع العلم بيننا في بيوتنا ومع النساء ومع الأطفال، النساء منهم كثير ربما راج عليهم كلام بعض المشعوذين أو بعض القراء أو كلام النساء في مجالسهم، وربما دخلوا في أشياء في التوحيد وفي القراءات وفي الرقية إلى آخره مما ينكر.
لهذا أنا أوصي الجميع بالإقبال على العلم، وبأن يحرص الجميع على نشر العلم والكلام في العلم.
ومن القصص التي تروى في ذلك أن أحد العلماء أراد أن يرحل عن بلد فجهّز نفسه وجهز راحلته وأتى منصرفا عن البلد يرحل عنها بعد أن سكنها مدة طويلة، فلما أتى على بوابة البلد وأراد يشتري بعض الحاجيات له في سفره من الأكل ربما أو بعض البقول وأشياء يحتاجها معه، وقف فإذا البائعان يتباحثان في مسألة من مسائل العلم، بيّاع البقول هذا يبحث مع هذا هل النية تتجزأ أو لا تتجزأ وهذا يناقش هذا، فقال: سبحان الله بلد فيها البقالون يتناقشون في العلم أو يبحثون في العلم أتركها؟ لا والله لا أتركها فرجع.
وهذا من صميم القلب؛ لأنه يعلم معنى العلم وإنما الرحمة هي بالعلم في بيوتكم وفي جلساتكم، وكلما نشر العلم في المساجد، يتعلم طالب العلم ويتعلم المجالس ويتعلم الفارغ الذي ليس عنده من الشغل ما يشغله، ويتعلم الناس، هذا فيه إشاعة للخير وفيه إشاعة لما يحبه الله جل علا ويرضاه، ولهذا اعلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما بعث بالعلم وإنما ورث العلم وعلينا الإقبال على التفقه في الدين وأن نأخذ ذلك على أعظم ما يجب.
وأسأل الله جل وعلا أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يمنحنا الفقه في الدين والإقبال عليه، والتفقه في كتاب الله وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هدي سلفنا الصالح إنه سبحانه جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
[الأسئلة]
س1/ ما هي الوسائل المعينة على التفقه في دين الله؟
ج/ الحمد لله:
أعظم وسيلة للتفقه في دين الله أن يتقي اللهَ العبدُ وأن يقبل عليه راجيا خائفا؛ لأن تقوى الله جل وعلا من أسباب ومن وسائل؛ بل هي أعظم وسائل تحصيل العلم، قال جل وعلا ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً?[الأنفال:29]، والقرآن كله فرقان، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء بالفرقان، ودين الله فرقان بين الحق والباطل، وبين التوحيد والشرك، وبين الضلال والهدى.
لهذا إذا أقبل العبد على التفقه في الدين فليكن دثاره وشعاره تقوى الله جل جلاله.
والتقوى في هذا معناها أن يراعي أمر الله جل وعلا وأن يراعي نهيه فيما يأتي وفيما يذر بحسب الاستطاعة فاتقوا الله ما استطعتم، وفيستغفر من القصور.
الثاني من أسباب التفقه في الدين أن يكون عنده حصيلة من حفظ القرآن الكريم وحفظ الأحاديث النبوية بحسب المستطاع؛ لأنه كلما حفظ كان فقهه أكثر؛ لأن الفقه وهو الفهم يكون بعد الحفظ، خاصة في مسائل الشريعة، فمن اعتمد على الفهم وحده فإنه يؤتى، ولكن لابد من حفظ ثم فهم للمحفوظ حتى يرسخ، ولهذا قال جل وعلا لنبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ?فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ?[القيامة:18] كان هذا قبل ?أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ?[النساء:82].
والوسيلة الثالثة أن يكون في تفقهه في الدين على وفق منهج أهل العلم وعلى وفق طريقة السلف الصالح؛ لأنها هي الطريقة المثلى في الفقه في الدين وأن لا يذهب إلى مسائل وأشياء تصعب عليه وثم بعد ذلك يمل من العلم، فلا يكثر على نفسه من الدروس حتى لا يمل من العلم، ويسير على وفق المنهج في طلب العلم حتى يتدرج فيه شيئا فشيئا.
قد قال الزهري في كلمته المشهورة التي ذكرها ابن عبد البر في جامع بيان فضل العلم وأهله قال: قال الزهري: من رام العلم جملة ذهب عنه جملة ولكن يطلب العلم على مر الأيام والليالي.
فالتدرج في العلم وأخذ العلم شيئا فشيئا والفقه شيئا فشيئا هذا يتجمع مع الإنسان خير كثير، فلو أخذت في كل يوم مسألة في التوحيد ومسألة في الفقه واحدة فقط عرفتها بدقة وكررتها في مسيرك، لاجتمع لك في سنتين سبعمائة وعشرين مسألة في التوحيد، وسبعمائة وعشرين مسألة في الفقه.
والآن الدراسات الجامعية في الكليات الشرعية نجد أن منهم من يتخرج وقد نسي الكثير الكثير ومنهم من بعد التخرج يرجع عاميا أو شبه عامي؛ لأنهم في المنهج أعطوهم أكثر مما يُقبلون عليه المفروض الطالب يجد ويجتهد؛ لكن كان اعلم أكثر من استعدادتهم لذلك قل تحصيلهم.
لهذا نقول تأخذ مسألة مسألة شيئا فشيئا سبعمائة مسألة في التوحيد وسبعمائة مسألة في الفقه هذه إذن صارت معك.
ثم بعد سنتيم ألف أربعمائة وبعد عشر سنين تجتمع عندك آلاف المسائل وهذا هدوء ولكنه قوة ورسوخ؛ ولكنه مع سهولته صعب أن يطبقه إلا من هو مقبل على الفقه حقيقة؛ لأن النفس تتمنى الإكثار ما يكفيها القليل، وتتمنى الإكثار الإكثار وتظن أن هذا مثلا الإكثار من المال؟ لا، هذا إذا أخذت منه شيئا ليس لست في استعداد له ذهب عنك.
الرابع من الوسائل أنك إذا علمت شيئا علمه واعمل به؛ لأن التعليم وسيلة من وسائل ثبات العلم والعمل وسيلة من وسائل ثبات العلمـ قال جل وعلا ?فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ?[محمد:19]، وقال ?وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا?[النساء:66]، قد قال السلف: من عمل بما علم أورثه اله علم ما لم يعلم.
ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يوطّن نفسه أنه إذا علم مسألة يشرحها لا يقول له هذا فوق مستواه اشرحها بالطريقة التي يستجيب لك، تثبت عندك وتنفع زوجتك وتنفع أختك تنفع والدتك تنفع من حولك تنفع صديقك لكن بحث العلم ونشره والعمل به هذا من أعظم الوسائل.
ثم الوسيلة الأخيرة الدعاء والرغب إلى الله جل وعلا أن يمنحك الفقه في الدين، وخاصة في أوقات الإجابة التي يرجى أن يُجيب الله جل وعلا فيها الدعاء «من يرد الله أن يهده يفقهه في الدين»، «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» فاسأل الله سؤال ملح أن يمنحك الفقه في الدين وأن يثبتك على ذلك لأن هذا أعظم من الدنيا وما عليها.
س2/ هل في الفقه في الدين سلامة من مضلات الفتن في مثل هذا الزمن؟
ج/ لاشك أن الهداية للسبيل ولسبل الله جل وعلا المتنوعة في سبيله الواحد إنما يكون بالمجاهدة قال جل وعلا في أول سورة العنكبوت ?الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ?[العنكبوت:1-3] وذكر في السورة جل وعلا أنواعا من الفتن المختلفة، فتنة الشهوات والفتنة بالوالدين والفتنة بانتشار الشرك في قصة نوح عليه السلام ومكثه ألف سنة إلا خمسين عاما ولم ينصر، وأنواعا من الفتن، وذكر دواءها وعلاجها في آخر السورة ?وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ?[العنكبوت:69]، وكما ذكرت أن أعظم الجهاد التطوعي العلم والتعلم فإن هذا من أعظم بل من أرفع أسباب النجاة من الفتن.
ولهذا في السورة نفسها بين الله تفاصيل ذلك في قوله?اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ?[العنكبوت:45].
س3/ هل من لم يتفقه في دين الله لم يرَد به خيرا أم لم ترد له الهداية حسب مفهوم الأحاديث التي سبق أن ذكرتموها؟
ج/ الهداية والخير ينقسم إلى كمال وإلى درجات.
فمن يرد الله به تمام الخير وكمال الهداية يمنحه الفقه في الدين.
ومن لم يتفقه الفقه الواجب في التوحيد العيني والفقه الواجب في عباداته هذا ليس بمسلم أصلا؛ لأنه ليس معه توحيد وليس معه عبادة.
من لم يتفقه الفقه الكفائي فهذا مسلم ومؤمن لكن هم درجات فله من الهداية بحسب استقامته؛ لكن كمال الهداية وكمال الخيرية موعود به أهل العلم كما في قوله «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» يعني أن حقيقة الخير وكمال الخير إنما يؤتيه الله جل وعلا من أقبل على الفقه في الدين.
س5/ ما توجيه فضيلتكم لمن لا يرى طلب العلم للناشئة بحجة أن طلب ليس بأهم من التربية وأن طلب العلم يأتي بعد ذلك؟
ج/ وهل ثم وسيلة للتربية أعظم من العلم، ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنْهُ قال له النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» إلى آخر الحديث.
وهنا وقفتان جواب على السؤال:
الأولى الحظ قوله (أعلمك) فتربية الغلمان تربية الشباب بالتعليم الذي يناسب مستواهم وبالطريقة المحببة إلى أنفسهم هذه هي الطريقة الصحيحة وهي الطريقة النبوية وهي الطريقة السلفية التي عملها السلف الصالح؛ لكن ليس معناه تأخذ أبو 9 سنين 10 سنين تقول له ادرس كتاب واشرحه هذا بحسب اختلافات الناس واستعداداتهم؛ لكن التعليم هو وسيلة التربية.
ثم قال (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)، (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك). هذا تعليم لتوحيد الله جل وعلا فإذن لا صلاح في التربية إلا بالتعليم وخاصة التعليم التوحيد وما به صلاح النفوس؛ لكن الوسيلة، كيف تعلم كيف ترسل هذه المعاني إلى النفس، هذه تختلف باختلاف الناس والاستعدادات والزمان والمكان.
س/ هل حفظ القرآن الكريم مقدم على طلب العلم الشرعي؟
ج/ إذا آنس من نفسه استعدادا لحفظ القرآن ومقبل فيحفظ القرآن الكريم كاملا هذا أفضل في حقه، وهو الذي كان عليه عمل العلماء في مضى، لا يقبلون من يقرأ عليهم إلا بعد حفظ القرآن.
وقد حدثني أحد مشايخنا حفظهم يقول -رحم الله الميت وحفظ الله الحي- يقول أتيت للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فقلت له أريد أن أقرأ عليك، فقال: حفظت القرآن؟ قلت لا. فقال: اذهب احفظ القرآن ثم إيتِ لتقرأ قال فغبت عليه ستة أشهر معي همة وعزيمة حفظت فيها القرآن، ثم أتيت بعد هذا فقلت: يا شيخ أنا حفظت القرآن أحسن الله إليك قال: إقرأ قال فاختبرني في مواضع ثم قال: بارك الله فيك. قال اقرأ في كتاب كذا دخل في الحلقة.
الذي عنده قوة في الحفظ وإقبال يحفظ القرآن، ثم بعد ذلك يلتحق بحلق اعلم وإذا كان عنده من الوقت ما يحفظ فيه بعض من القرآن ليحضر في بعضه حلق العلم.
لكن حفظ القرآن هو العلم؛ لأنه بما تحتج؟ من لا سلاح عنده وحجة وبرهان بالقرآن فبما يحتج؟ نحتج بمفاهيم أو بآراء إنما الحجة في الكتاب وفي سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلقد أحسن ابن القيم رحمه الله إذ يقول في نونيته:
والجهلُ داء قاتلٌ وشفــاؤه أمران في التركيب متفقـانِ
نص من القرآن أو من سنـة وطبيب ذاك العالم الربانـي
والعلم أقسام ثلاث ما لـها من رابع والحق ذو تبيــانِ
علم بأوصاف الإلـه وفعله وكذلك الأسماء للديــانِ
والأمر والنهي الذي هو دينـه وجزاؤه يوم المعاد الثانــي
والكلُّ في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالفرقان
وقال في موضع آخر
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولوا العرفان
فإذن لابد من حفظ القرآن لتكون الحجة قوية.
الذي لا يحفظ القرآن كيف يحتج؟ الذي ما يحفظ من السنة بما قدر له بما يحتج وما يستدل؟ هذا عجب.
س/ من أنواع الكفر الأكبر كفر الإعراض، فما ضابط هذا الكفر؟ وهل يعتبر من يزهد في تعلم العلم الشرعي معرضا ؟
ج/ الإعراض هو الناقض العاشر من نواقض الإسلام التي ذكرها إمام الدعوة في النواقض العشرة.
فقال: العاشر الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.
مثل عمل الملاحدة وعمل الذي لا يأبه بهذا الدين ليس له همة في هذا الدين، لا في تعلم التوحيد ولا في تعلم أحكام العبادة والصلاة وإلى آخره، وليس له همة في العلم به، فهو لا يعلم الحق، لا لأجل أن الحق لا يستطيع الوصول إليه؛ ولكن لأجل إعراضه كما قال جل وعلا ?بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ?[الأنبياء:24]، وقال جل وعلا في سورة الكهف ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ?[الكهف:57]، ونحو ذلك من الآيات.
فالإعراض عن دين الله الذي هو ناقض من نواقض الإسلام وكفر الذي هو كفر الإعراض؛ هو أن لا يتعلم ولا يعمل ليس له همة، مثل الماديين مثل الذي همه الدنيا ليس له همة في تعلم الدين ولا محبة الله ورسوله وليس له همة في العمل البتة، فهذا هو المعرض.
أما الذي يزهد في تعلم العلم الشرعي لانشغاله أو لأجل أنه ليس لديه استعدادت وهو مسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل